( يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ) منطوق الآية أنه إذا أتى هذا البعض لا ينفع نفسا كافرة إيمانها الذي أوقعته إذ ذاك ، و لا ينفع نفسا سبق إيمانها وما كسبت فيه خيرا فعلق نفي الإيمان بأحد وصفين : إما نفي سبق الإيمان فقط ، وإما سبقه مع نفي كسب الخير ، ومفهومه أنه ينفع الإيمان السابق وحده أو السابق ومعه الخير ، ومفهوم الصفة قوي ، فيستدل بالآية لمذهب أهل السنة من أن الإيمان لا يشترط في صحته العمل . وقال : ( الزمخشري آمنت من قبل ) صفة لقوله : ( نفسا ) ، وقوله : ( أو كسبت في إيمانها خيرا ) عطف على ( آمنت ) ، والمعنى : أن أشراط الساعة إذا جاءت ، وهي آيات ملجئة مضطرة ، ذهب أوان التكليف عندها ، فلم ينفع الإيمان حينئذ نفسا غير مقدمة إيمانها من قبل ظهور الآيات ، أو مقدمة إيمانها غير كاسبة خيرا في إيمانها ، فلم يفرق كما ترى بين النفس الكافرة إذا آمنت في غير وقت الإيمان ، وبين النفس التي آمنت في وقتها ولم تكسب خيرا ، ليعلم أن قوله : ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) جمع بين قرينتين لا ينبغي أن تنفك إحداهما عن الأخرى حتى يفوز صاحبها ويسعد ، وإلا فالشقاوة والهلاك . انتهى . وهو جار على مذهبه الاعتزالي . وقرأ الأخوان : " إلا أن يأتيهم " بالياء . وقرأ ابن عمرو وابن سيرين وأبو العالية : " يوم تأتي بعض " بالتاء ، مثل " تلتقطه بعض السيارة " ، : " لا تنفع نفسا " . قال وابن سيرين أبو حاتم : ذكروا أنها غلط منه . وقال النحاس : في هذا شيء دقيق ذكره ، وذلك أن الإيمان والنفس كل منهما مشتمل على الآخر ، فأنث الإيمان إذ هو من النفس وبها ، وأنشد سيبويه - رحمه الله - : سيبويه
[ ص: 260 ]
مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
انتهى .
وقال : وقرأ الزمخشري " لا تنفع " بالتاء ، لكون الإيمان مضافا إلى ضمير المؤنث الذي هو بعضه ، لقوله : ذهبت بعض أصابعه . انتهى . وهو غلط ; لأن الإيمان ليس بعضا للنفس ، ويحتمل أن يكون أنث على معنى الإيمان وهو المعرفة أو العقيدة ، فكان مثل جاءته كتابي فاحتقرها ، على معنى الصحيفة ، ونصب ( ابن سيرين يوم يأتي ) بقوله : ( لا ينفع ) ، وفيه دليل على تقدم معمول الفعل المنفي بلا على لا ، خلافا لمن منع . وقرأ زهير القروي : ( يوم يأتي ) بالرفع ، والخبر ( لا ينفع ) ، والعائد محذوف أي : لا ينفع فيه ، وإن لم يكن صفة ، وجاز الفصل بالفاعل بين الموصوف وصفته لأنه ليس بأجنبي ، إذ قد اشترك الموصوف الذي هو المفعول والفاعل في العامل ، فعلى هذا يجوز : ضرب هندا غلامها التميمية ، ومن جعل الجملة حالا أبعد ، ومن جعلها مستأنفة فهو أبعد .
( قل انتظروا إنا منتظرون ) أي : انتظروا ما تنتظرون ( إنا منتظرون ) ما يحل بكم ، وهو أمر تهديد ووعيد . من قال : إنه أمر بالكف عن القتال ، فهو منسوخ عنده بآية السيف .