( وربك الغني ذو الرحمة ) لما ذكر تعالى من أطاع ومن عصى والثواب والعقاب ، ذكر أنه هو الغني من جميع الجهات لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية ، ومع كونه غنيا هو ذو الرحمة ، أي : التفضل التام . قال : ( ابن عباس ذو الرحمة ) بأوليائه وأهل طاعته . وقيل : بكل خلقه ، ومن رحمته تأخير الانتقام من العصاة . وقيل : ( ذو الرحمة ) جاعل نفع الخلائق بعضهم ببعض . وقال : ( الزمخشري ذو الرحمة ) يترحم عليهم بالتكليف ليعرضهم للمنافع الدائمة .
( إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ) هذا فيه إظهار القدرة التامة والغنى المطلق ، والخطاب عام للخلق كلهم ، كما قال : ( إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين ) ، فالمعنى إن يشأ إفناء هذا العالم واستخلاف ما يشاء من الخلق غيرهم فعل ، والإذهاب هنا الإهلاك ، إهلاك الاستئصال لا الإماتة ، ناسا بعد ناس ; لأن ذلك واقع فلا يعلق الواقع على إن يشأ . وقيل : الخطاب لأهل مكة . وقال عطاء : يعني الأنصار والتابعين . وقيل : ( يذهبكم ) أيها العصاة ( ويستخلف من بعدكم ما يشاء ) من النوع الطائع ، و ( كما أنشأكم ) في موضع مصدر على غير الصدر لقوله : ( ويستخلف ) لأن معناه وينشئ ، والمعنى إن يشأ الإذهاب والاستخلاف يذهبكم ويستخلف ، فكل من الإذهاب والاستخلاف معذوق بمشيئته ، و ( من ) لابتداء الغاية . وقال ابن عطية : للتبعيض . وقال وتبعه الطبري : هي بمعنى أخذت من ثوبي دينارا بمعنى عنه وعوضه . انتهى . يعني أنها بدلية ، والمعنى من أولاد قوم متقدمين أصلهم مكي آدم - عليه السلام - . وقال : من أولاد ( الزمخشري قوم آخرين ) لم يكونوا على مثل صفتكم ، وهم أهل سفينة نوح . انتهى . ويعني أنكم ( من ذرية قوم ) صالحين ، فلو شاء أذهبكم أيها العصاة ويستخلف بعدكم طائعين ، كما أنكم عصاة أنشأكم من قوم طائعين ، وما في قوله : ( ما يشاء ) قيل : بمعنى من ، والأولى إن كان المقدار استخلافه من غير العاقل فهي واقعة موقعها ، وإن كان عاقلا فيكون قد أريد بها النوع . وقرأ : ( ذرية ) بفتح الذال ، وكذا في آل عمران ، زيد بن ثابت ( ذرية ) بفتح الذال وتخفيف الراء المكسورة ، وعند ( ذرية ) على وزن ضربة ، وتضمنت هذه الآية التحذير من بطش الله في التعجيل بذلك . وأبان بن عثمان