( ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ) أي إما يخلق ذلك في قلوبهم أولا ، فلا يضل أحد ، وإما يخلقه فيهم بعد ضلالهم ، ودل هذا التعليق على أنه تعالى ما شاء منهم جميعهم الهدى ، بل أراد إبقاء الكافر على كفره . قال أبو عبد الله الرازي : ويقرر ، هذا الظاهر . أن قدرة الكافر على الكفر إن لم تكن صالحة للإيمان ، فالقدرة على الكفر مستلزمة له غير صالحة للإيمان ، فخالق تلك القدرة يكون قد أراد الكفر لا محالة ، وإن كانت صالحة له كما صلحت للكفر ، استوت نسبة القدرة إليهما ، فامتنع الترجيح ، إلا الداعية مرجحة ، وليست من العبد ، وإلا وقع التسلسل ، فثبت أن خالق تلك الداعية هو الله ، وثبت أن مجموع الداعية الصالحة توجب الفعل ، وثبت أن خالق مجموع تلك الداعية المستلزمة لذلك الكفر مريد لذلك الكفر غير مريد لذلك الإيمان فهذا البرهان اليقيني قوى ظاهر هذه الآية ، ولا بيان أقوى من تطابق البرهان مع ظاهر القرآن . وقال ابن عطية : وهذه الآية ترد على القدرية المفوضة الذين يقولون : إن القدرة لا تقتضي أن يؤمن الكافر ، وأن ما يأتيه الإنسان من جميع أفعاله ، لا خلق فيه ، تعالى الله عن قولهم . وقال : ( الزمخشري ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ) بآية ملجئة ، ولكنه لا يفعل لخروجه عن الحكمة انتهى . وهذا قول المعتزلة . وقال القاضي : والإلجاء أن يعلمهم أنهم لو حاولوا غير الإيمان ، لمنعهم منه ، وحينئذ يمتنعون من فعل شيء غير الإيمان ، وهو تعالى إنما ترك فعل هذا الإلجاء; لأن ذلك يزيل تكليفهم ، فيكون ما وقع منهم ، كأن لم يقع ، وإنما أراد تعالى أن ينتفعوا بما يختارونه من قبل أنفسهم من جهة الوصلة به إلى الثواب ، وذلك لا يكون إلا اختيارا ، وأجاب أبو عبد الله الرازي بأنه تعالى أراد منهم الإقدام على الإيمان حال كون الداعي إلى الإيمان وإلى الكفر بالسوية ، أو حال حصول هذا الرجحان . والأول تكليف ما لا يطاق; لأن الأمر بتحصيل الرجحان حال حصول الاستواء ، تكليف بالجمع بين النقيضين ، وهو محال ، وإن كان الثاني فالطرف الراجح يكون واجب الوقوع ، والطرف المرجوح يكون ممتنع الوقوع ، وكل هذه الأقسام تنافي ما ذكروه من المكنة والاختيارات ، فسقط قولهم بالكلية .