لله أيام نجد والنعيم بها قد كان دارا لنا أكرم به دارا
ومعنى ( الذين يتقون ) يتقون الشرك لأن المؤمن الفاسق ، ولو قدرنا دخوله النار ، فإنه بعد يدخل الجنة ، فتصير الدار الآخرة خيرا له من دار الدنيا . وذكر عن ، خير لمن اتقى الكفر والمعاصي ، وقال في المنتخب نحوه ، قال : بين الله تعالى أن هذه الخيرية ، إنما تحصل لمن كان من المتقين المعاصي والكبائر ، فأما الكافرين والفاسقين فلا ، لأن الدنيا بالنسبة إليهم خير من الآخرة انتهى . وهو أشبه بكلام ابن عباس المعتزلة . وقال : وقوله : ( للذين يتقون ) دليل على أن ما سوى أعمال المتقين لهو ولعب انتهى . وقد أبدى الزمخشري الخيرية هنا ، فقال : خيرات الدنيا خسيسة ، وخيرات الآخرة شريفة; وبيانه أن خيرات الدنيا ليست إلا قضاء الشهوتين ، وهو في نهاية الخساسة ، بدليل مشاركة الحيوانات الخسيسة في ذلك ، وزيادة بعضها على الإنسان في ذلك ، كالجمل في كثرة الأكل ، والديك في كثرة الوقاع ، والذئب في القوة على الفساد والتمزيق ، والعقرب في قوة الإيلام ، وبدليل أن الإكثار من ذلك لا يوجب شرفا ، بل المكثر من ذلك ممقوت مستقذر مستحقر ، يوصف بأنه بهيمة ، وبدليل عدم الافتخار بهذه الأحوال ، بل العقلاء يخفونها ، ويختفون عند فعالها ، ويكنون عنها ولا يصرحون بها إلا عند الشتم بها ، وبأن حقيقة اللذات دفع الآلام وبسرعة انقضائها ، فثبت بهذه الوجوه خساسة هذه اللذات . وأما السعادات الروحانية ، فسعادات عالية شريفة باقية مقدسة ، وذلك أن جميع الخلق إذا تخيلوا في إنسان كثرة العلم ، وشدة الانقباض عن اللذات الجسمانية ، فإنهم بالطبع يعظمونه ، ويخدمونه ويعدون أنفسهم عبيدا له ، وأشقياء بالنسبة إليه ، ولو فرضنا تشارك خيرات الدنيا وخيرات الآخرة في التفضيل ، لكانت خيرات الآخرة أفضل; لأن الوصول إليها معلوم قطعا . وخيرات الدنيا ليست معلومة ، بل ولا مظنونة ، فكم من سلطان قاهر بكرة يوم ، أمسى تحت التراب آخره ! وكم مصبح أميرا عظيما أمسى أسيرا حقيرا ! ولو فرضنا أنه وجد بعد سرور يوم يوما آخر ، فإنه لا يدري هل ينتفع في ذلك اليوم بما جمع من الأموال والطيبات واللذات ؟ بخلاف موجب السعادات الأخروية ، فإنه يقطع أنه ينتفع بها في الآخرة ، وهب أنه انتفع بها ، فليس ذلك الانتفاع خاليا من شوائب المكروهات والمحزنات ، وهب أنه انتفع في الغد ، فإنها تنقضي ، ويحزن عند انقضائها; كما قال الشاعر : الفخر الرازيأشد الغم عندي في سرور تيقن عنه صاحبه انتقالا