( انظر كيف كذبوا على أنفسهم ) . الخطاب للرسول ، عليه السلام ، والنظر قلبي . و ( كيف ) منصوب بـ ( كذبوا ) . والجملة في موضع نصب بالنظر; لأن ( انظر ) معلقة . و ( كذبوا ) ماض ، وهو في أمر لم يقع ، لكنه حكاية عن يوم القيامة ، ولا إشكال في استعمال الماضي فيها موضع المستقبل; تحقيقا لوقوعه ولا بد . قال فإن قلت : كيف يصح أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور ؟ على أن الكذب والجحود لا وجه لمنفعته ، قلت : الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرة ودهشا ، ألا تراهم يقولون ( الزمخشري ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ) ؟ وقد أيقنوا بالخلود ، ولم يشكوا فيه ، ( ونادوا يامالك ليقض علينا ربك ) ، وقد علموا أنه لا يقضي عليهم . وأما قول من يقول معنى ( ما كنا مشركين ) عند أنفسنا ، أو ما علمنا أنا على خطأ في معتقدنا ، وحمل قوله : ( انظر كيف كذبوا على أنفسهم ) يعني في الدنيا ، فتحمل وتعسف وتحريف لأفصح الكلام إلى ما هو عي وإفحام; لأن المعنى الذي ذهبوا إليه ليس هذا الكلام بمترجم عنه ، ولا بمنطبق عليه ، وهو ناب عنه أشد النبو ، وما أدري ما يصنع من ذلك تفسيره بقوله : ( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ) بعد قوله : ( ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) فشبه كذبهم في الآخرة بكذبهم في الدنيا انتهى قول . وأما قول من يقول ، فهو إشارة إلى الزمخشري أبي علي الجبائي ومن وافقهما; أن أهل القيامة لا يجوز إقدامهم على الكذب ، واستدلوا بأشياء تئول إلى مسألة القبح والحسن ، وبناء ما قالوه عليها ، ذكرها والقاضي عبد الجبار أبو عبد الله الرازي في تفسيره ، فتطالع هناك ، إذ مسألة التقبيح والتحسين خالفوا فيها أهل السنة . وجمهور المفسرين يقولون : إن الكفار يكذبون في الآخرة ، وظواهر القرآن دالة على ذلك . وقد خالف هنا أصحابه الزمخشري المعتزلة ، ووافق أهل السنة .
( وضل عنهم ما كانوا يفترون ) . يحتمل أن تكون ( ما ) مصدرية ، وإليه ذهب ابن عطية قال : معناه ذهب افتراؤهم في الدنيا وكفرهم ، بادعائهم لله الشركاء . وقيل : من اليمين الفاجرة في الدار الآخرة . وقيل : عزب عنهم افتراؤهم للحيرة التي لحقتهم ، ويحتمل أن تكون بمعنى الذي ، وإليه ذهب ، قال : وغاب ( الزمخشري عنهم ما كانوا يفترون ) ألوهيته وشفاعته ، وهو معنى قول الحسن وأبي علي ، قالا : لم يغن عنهم شيئا ما كانوا يعبدون من الأصنام في الدنيا . وقيل : هو قولهم ما كنا ( نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) فذهب عنهم حيث علموا أن لا تقريب منهم ، ويحتمل أن يكون ( وضل ) عطف على كذبوا ، فيدخل في خبر ( انظر ) ، ويحتمل أن يكون إخبارا مستأنفا ، فلا يدخل في حيزه ، ولا يتسلط النظر عليه .