( قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) الظاهر أن المائدة نزلت; لأنه تعالى ذكر أنه منزلها ، وبإنزالها قال الجمهور . قال ابن عطية : شرط عليهم شرطه المتعارف في الأمم; أنه من كفر بعد آية الاقتراح ، عذب أشد عذاب . قال الحسن ومجاهد لما سمعوا الشرط أشفقوا فلم تنزل . قال مجاهد : فهو مثل ضربه الله للناس; لئلا يسألوا هذا الآيات ، واختلف من قال إنها نزلت ، هل رفعت بإحداث أحدثوه أم لم ترفع ؟ وقال الأكثرون : أكلوا منها أربعين يوما بكرة وعشية . وقال : يأكلون منها متى شاءوا . وقيل : بطروا فكانت تنزل عليهم يوما بعد يوم . وقال المؤرخون : كانت تنزل عند ارتفاع الضحى ، فيأكلون منها ، ثم ترتفع إلى السماء وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض . واختلفوا في كيفية نزولها ، وفيما كان عليها ، وفي عدد من أكل منها ، وفيما آل إليه حال من أكل منها ، اختلافا مضطربا متعارضا ذكره المفسرون ، ضربت عن ذكره صفحا ، إذ ليس منه شيء يدل عليه لفظ الآية . وأحسن ما يقال فيه ما خرجه الترمذي في أبواب التفسير عن إسحاق بن عبد الله ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عمار بن ياسر " . قال أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما ، وأمروا أن لا يدخروا لغد ، ولا يخونوا ، فخانوا ، وادخروا ، ورفعوا لغد ، فمسخوا قردة وخنازير أبو عيسى هذا حديث رواه عاصم وغير واحد عن سعيد بن عروة عن قتادة عن خلاس عن ، مرفوعا ، ولا نعلمه مرفوعا ، إلا من حديث عمار بن ياسر الحسن بن قزعة ; حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا عن سفيان بن حبيب سعيد بن عروة نحوه ، ولم يرفعه ، وهذا أصح من حديث الحسن بن قزعة ، ولا نعلم الحديث مرفوعا أصلا . وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ( منزلها ) مشددا . وقرأ باقي السبعة مخففا ، والأعمش ، إني سأنزلها ، بسين الاستقبال بعد ؛ أي : بعد إنزالها . والعذاب هنا بمعنى التعذيب ، فانتصابه انتصاب المصدر ، وأجاز وطلحة بن مصرف أبو البقاء أن يكون مفعولا به على السعة ، وهو إعراب سائغ . ولا يجوز أن يراد بالعذاب; ما يعذب به إذ يلزم أن يتعدى إليه الفعل بحرف الجر ، فكان يكون التركيب; فإني أعذبه بعذاب . لا يقال حذف حرف الجر ، فتعدى الفعل إليه ، فنصبه; لأن حذف الحرف في مثل هذا مختص بالضرورة . والظاهر أن الضمير في لا أعذبه يعود على العذاب بمعنى التعذيب ، والمعنى; لا أعذب مثل التعذيب أحدا . وأجاز أبو البقاء أن يكون التقدير لا أعذب به أحدا ، وأن يكون مفعولا به على السعة ، وأن يكون ضمير المصدر المؤكد ، كقولك : ظننته زيدا منطلقا ، فلا يعود على العذاب . ورابط الجملة الواقعة صفة لعذاب هو العموم الذي في المصدر المؤكد ، كقولك : هو جنس ، و ( عذابا ) نكرة ، فانتظمه المصدر ، كما انتظم اسم الجنس زيدا في : زيد نعم الرجل ، وأجاز أيضا أن يكون ضمير ( من ) على حذف; أي لا أعذب مثل عذاب الكافر ، وهذه تقادير متكلفة ينبغي أن [ ص: 58 ] ينزه القرآن عنها والعذاب . قال : مسخهم خنازير . وقال غيره قردة وخنازير ، ووقع ذلك في الدنيا والكفر المشار إليه الموجب تعذيبهم ، قيل : ارتدادهم . وقيل : شكهم في ابن عباس عيسى ، وتشكيكهم الناس . وقيل : مخالفتهم الأمر بأن لا يخونوا ، ولا يخبئوا ، ولا يدخروا ، قاله قتادة . وقال : لم يتم يومهم حتى خانوا ، فادخروا ، ورفعوا . وظاهر العالمين العموم . وقيل : عالمي زمانهم . عمار بن ياسر