حسبت التقى والجود خير تجارة رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا
وتكون هنا تامة .
( ثم عموا وصموا كثير منهم ) قالت جماعة : توبتهم هذه ردهم إلى بيت المقدس بعد الإخراج الأول وعماهم وصممهم . قيل : ولوجهم في شهواتهم فلم يبصروا الحق ، ولم يسمعوا داعي الله . وقالت جماعة : توبتهم ببعث عيسى ، عليه السلام . وقالت جماعة : بعث محمد ، صلى الله عليه وسلم . وقيل : الأول : في زمان زكريا ويحيـى و عيسى ، عليهم الصلاة والسلام ، ولتوفيق كثير منهم للإيمان . والثاني : في زمان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، آمن جماعة به ، وأقام الكثير منهم على كفرهم . وقيل : الأول عبادة العجل ثم التوبة عنه ، ثم الثاني بطلب الرؤية وهي محال غير معقول في صفات الله قاله ، جريا على مذهبه الاعتزالي في إنكار رؤية الله تعالى . وقال الزمخشري القفال في سورة بني إسرائيل ما يجوز أن يكون تفسيرا لهذه الآية وقيل : الأول بعد موسى ثم تاب عليهم ببعث عيسى . والثاني بالكفر بالرسول ; والذي يظهر أن المعنى حسب بنو إسرائيل حيث هم أبناء الرسل والأنبياء أن لا يبتلوا إذا عصوا الله ، فعصوا الله تعالى وكنى عن العصيان بالعمى والصمم ، ثم تاب الله عليهم إذ حلت بهم الفتنة برجوعهم عن المعصية إلى طاعة الله تعالى ، وبدئ بالعمى لأنه أول ما يعرض للمعرض عن الشرائع أن لا يبصر من أتاه بها من عند الله ، ثم لو أبصره لم يسمع كلامه ، فعرض لهم الصمم عن كلامه . ولما كانوا قبل ذلك على طريق الهداية ، ثم عرض لهم الضلال ، نسب الفعل إليهم وأسند لهم ولم يأت : فأعماهم الله وأصمهم كما جاء في قوله : ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم فأصمهم وأعمى أبصارهم ) إذ هذا فيمن لم تسبق له هداية ، وأسند الفعل الشريف إلى الله تعالى في قوله : ( ثم تاب الله عليهم ) لم يأت ، ثم تابوا إظهارا للاعتناء بهم ولطفه تعالى بهم . وفي العطف بالفاء دليل على أنهم يعقب الحسبان عصيانهم وضلالهم ، وفي العطف بثم دليل على أنهم تمادوا في الضلال زمانا إلى أن تاب الله عليهم . وقرأ النخعي وابن وثاب بضم العين والصاد وتخفيف الميم ، من عموا ، جرت مجرى زكم الرجل وأزكمه ، وحم وأحمه ، ولا يقال : زكمه الله ولا حمه الله ، كما لا يقال : عميته ولا صممته ، وهي أفعال جاءت مبنية للمفعول الذي لم يسم فاعله وهي متعدية ثلاثية ، فإذا بنيت للفاعل صارت قاصرة ، فإذا أردت بناءها للفاعل متعدية أدخلت همزة التنقل وهي نوع غريب في الأفعال . وقال : وعموا وصموا ، بالضم ، على تقدير عماهم الله وصمهم ; أي : رماهم بالعمى والصمم ، كما يقال : نزكته ; إذا ضربته بالنيزك ، وركبته ; إذا ضربته بركبتك . انتهى . وارتفاع كثير على البدل من المضمر . وجوزوا أن يرتفع على الفاعل ، والواو علامة للجمع لا ضمير على لغة أكلوني البراغيث ، ولا ينبغي ذلك لقلة هذه اللغة . وقيل : خبر مبتدأ محذوف تقديره هم ; أي : العمى والصم كثير منهم . وقيل : مبتدأ ، والجملة قبله في موضع الخبر . وضعف بأن الفعل قد وقع موقعه ، فلا ينوى به التأخير . والوجه هو الإعراب الأول . وقرأ الزمخشري : كثيرا منهم بالنصب . ابن أبي عبلة
( والله بصير بما يعملون ) هذا فيه تهديد شديد ، وناسب ختم الآية بهذه الجملة المشتملة على بصير ، إذ تقدم قبله فعموا .