وعض زمان يا بن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف
ومصدر الثلاثي سحت بفتحتين ، وسحت بإسكان الحاء . وقال الفراء : أصل السحت كلب الجوع [ ص: 486 ] ويقال : فلان مسحوت المعدة إذا كان لا يلقى أبدا إلا خائفا ، وهو راجع لمعنى الهلاك .
الحبر : بفتح الحاء وكسرها ، العالم ; وجمعه الأحبار . وكان أبو عبيد ينكر ذلك ويقول : هو بفتح الحاء . وقال الفراء : هو بالكسر ، واختار أبو عبيد الفتح . وتسمى هذه السورة سورة الأحبار ، ويقال : كعب الأحبار . والحبر ، بالكسر ، الذي يكتب به ، وينسب إليه الحبري الحبار . ويقال : كتب الحبر ، لمكان الحبر الذي يكتب به ، وسمي حبرا لتحسينه الخط وتبيينه إياه . وقيل : سمي حبرا لتأثيره في الموضع الذي يكون به من الحبار وهو الأثر .
العين : حاسة الرؤية وهي مؤنثة ، وتجمع في القلة على أعين وأعيان ، وفي الكثرة على عيون . وقال الشاعر :
ولكنني أغدو علي مفاضة دلاص كأعيان الجراد المنظم
ويقال للجاسوس : ذو العينين ، والعين لفظ مشترك بين معان كثيرة ذكرها اللغويون . الأنف : معروف ; والجمع آناف وآنف وأنوف .
المهيمن : الشاهد الرقيب على الشيء الحافظ له ، وهو اسم فاعل من هيمن ; قالوا : ولم يجئ على هذا الوزن إلا خمسة ألفاظ : هيمن ، وسيطر ، وبيطر ، وحيمر ، وبيقر ، ذكر هذا الخامس الزجاجي في شرحه خطبة أدب الكاتب ، ومعناه : سار من الحجاز إلى اليمن ، ومن أفق إلى أفق . وهيمن بنا أصل . وذهب بعض اللغويين إلى أن مهيمنا اسم فاعل من أمن غيره من الخوف ، قال : فأصله مأمن ، قلبت الهمزة الثانية ياء ، كراهة اجتماع الهمزتين فصار مؤيمن ، ثم أبدلت الهمزة الأولى هاء ، كما قالوا : أهراق في أراق ، وهياك في إياك ، وهذا تكلف لا حاجة إليه ، وقد ثبت نظير هذا الوزن في ألفاظ فيكون هذا منها . وأيضا فالهمزة في مؤمن - اسم فاعل من آمن - قد سقطت كراهة اجتماع الهمزتين ، فلا يدعى أنها أقرت وأبدل منها . وأما ما ذهب إليه ابن قتيبة من أنه تصغير مؤمن ، وأبدلت همزته هاء ، فقد كتب إليه يحذره من هذا القول . واعلم أن أسماء الله تعالى لا تصغر . الشرعة : السنة والطريقة ; شرع يشرع شرعا ; أي : سن ، والشارع الطريق الأعظم ، ومنزل شارع : إذا كان بابه قد شرع إلى طريق نافذ . المنهاج والمنهج : الطريق الواضح ، ونهج الأمر استبان ، ونهجت الطريق أبنته وأوضحته ، ونهجت الطريق سلكته . أبو العباس المبرد
( ياأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ) روي عن أبي هريرة وجماعة : أن سبب نزولها وابن عباس بالمدينة . وقيل : بغيرها من أرض الحجاز ، فسألوا الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وطمعوا أن يكون غير الرجم حدهما ، وكان في التوراة رجم ، فأنكروا ذلك أن يكون في التوراة وافتضحوا إذ أحضروها ، وحكم الرسول فيهما بالرجم وأنفذه . وقال أن يهوديا زنى بيهودية ، قيل : قتادة : السبب أن بني النضير كانوا إذا غزوا بني قريظة ، فإن قتل قرظي نضيريا قتل به ، أو نضيري قرظيا أعطى الدية . وقيل : كانت دية القرظي على نصف دية النضيري ، فلما جاء الرسول المدينة طلبت قريظة الاستواء لأنهما ابنا عم ، وطلبت الحكومة إلى الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، فقالت بنو النضير : إن حكم بما نحن عليه فخذوه ، وإلا فاحذروا . وقال : نزلت في رجل من السدي الأنصار وهذا بعيد من مساق الآية . وذكروا أن هذا الرجل هو أبو لبابة بن عبد المنذر ، أشارت إليه قريظة يوم حصرهم علام ينزل من الحكم ، فأشار إلى حلقه بمعنى أنه الذبح . وقال : نزلت في قوم من الشعبي اليهود قتل واحد منهم آخر ، فكلفوا رجلا من المسلمين أن يسأل الرسول قالوا : فإن أفتى بالدية قبلنا ، وإن أفتى بالقتل لم نقبل . وهذا نحو من قول قتادة في النضير وقريظة .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما بين أحكام الحرابة والسرقة ، وكان في ذكر المحاربين أنهم يحاربون الله ورسوله ويسعون في [ ص: 487 ] الأرض فسادا ، أمره تعالى أن لا يحزن ولا يهتم بأمر المنافقين وأمر اليهود من تعنتهم وتربصهم به وبمن معه الدوائر ونصبهم له حبائل المكروه ، وما يحدث لهم من الفساد في الأرض . ونصب المحاربة لله ولرسوله وغير ذلك من الرذائل الصادرة عنهم . ونداؤه تعالى له : يا أيها الرسول هنا ، وفي ( ياأيها الرسول بلغ ) ويا أيها النبي في مواضع ، تشريف وتعظيم وتفخيم لقدره ، ونادى غيره من الأنبياء باسمه فقال : ( ياآدم اسكن ) و ( يانوح اهبط ) ، ( ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا ) ، ( ياموسى إني اصطفيتك ) ، ( ياعيسى إني متوفيك ) ، ( يايحيى خذ الكتاب ) . وقال مجاهد : وعبد الله بن كثير من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، هم اليهود المنافقون ، وسماعون للكذب هم اليهود . والمعنى على هذا : لا تهتم بمسارعة المنافقين في الكفر واليهود بإظهار ما يلوح لهم من آثار الكفر وهو كيدهم للإسلام وأهله ، فإن الله ناصرك عليهم ، ويقال : أسرع فيه السبب ، وأسرع فيه الفساد ، إذا وقع فيه سريعا ; ومسارعتهم في الكفر : وقوعهم وتهافتهم فيه أسرع شيء إذا وجدوا فرصة لم يخطئوها ، وتكون من الأولى والثانية على هذا تنبيها وتقسيما للذين يسارعون في الكفر ، ويكون سماعون خبر مبتدأ محذوف ; أي : هم سماعون ، والضمير عائد على المنافقين وعلى اليهود ; ويدل على هذا المعنى قراءة الضحاك : سماعين ، وانتصابه على الذم نحو قوله :
أقارع عوف لا أحاول غيرها وجوه قرود تبتغي من تخادع
ويجوز أن يكون : ( ومن الذين هادوا ) استئنافا ، وسماعون مبتدأ وهم اليهود ، وبأفواههم متعلق بقالوا لا بآمنا ; والمعنى : أنهم لم يجاوز قولهم أفواههم ، إنما نطقوا بالإيمان خاصة دون اعتقاد . وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المعنى : لا يحزنك المسارعون في الكفر من اليهود ، وصفهم بأنهم قالوا : آمنا ; بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم إلزاما منهم ذلك من حيث حرفوا توراتهم وبدلوا أحكامها ، فهم يقولون بأفواههم : نحن مؤمنون بالتوراة وبموسى ، وقلوبهم غير مؤمنة من حيث بدلوا وجحدوا ما فيها من نبوة محمد ، صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك مما ينكرونه . ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى بعد هذا ( وما أولئك بالمؤمنين ) ويجيء على هذا التأويل قوله : من الذين قالوا كأنه قال : ومنهم ، ولكن صرح بذكر اليهود من حيث الطائفة السماعة غير الطائفة التي تبدل التوراة على علم منها . انتهى . وهو احتمال بعيد متكلف ، وسماعون من صفات المبالغة ، ولا يراد به حقيقة السماع إلا إن كان للكذب مفعولا من أجله ، ويكون المعنى : إنهم سماعون منك أقوالك من أجل أن يكذبوا عليك ، وينقلون حديثك ، ويزيدون مع الكلمة أضعافها كذبا . وإن كان للكذب مفعولا به لقوله : سماعون ، وعدي باللام على سبيل التقوية للعامل ، فمعنى السماع هنا قبولهم ما يفتريه أحبارهم ويختلقونه من الكذب على الله وتحريف كتابه من قولهم : الملك يسمع كلام فلان ، ومنه " سمع الله لمن حمده " وتقدم ذكر الخلاف في قراءة يحزنك ثلاثيا ورباعيا . وقرأ السلمي : يسرعون ، بغير ألف ، من أسرع . وقرأ الحسن وعيسى بن عمر : للكذب ، بكسر الكاف وسكون الذال . وقرأ : الكذب ، بضم الكاف والذال ، جمع كذوب ، نحو صبور وصبر ; أي : سماعون لكذب الكذب . زيد بن علي