( ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ) لما أرشد المؤمنين إلى معاقد الخير ومفاتح السعادة ، وذكر فوزهم في الآخرة وما آلوا من الفلاح ، شرح حال الكفار وعاقبة كفرهم ، وما أعد لهم من العذاب . والجملة من لو وجوابها في موضع خبر إن ، ومعنى ما في الأرض : من صنوف الأموال التي يفتدى بها ، ومثله معطوف على اسم إن ، ولام كي تتعلق بما تعلق به خبر إن وهو لهم ; والمعنى : لو أن ما في الأرض ومثله معه مستقر لهم على سبيل الملك ليجعلوه فدية لهم ما تقبل ، وهذا على سبيل التمثيل ولزوم العذاب لهم ، وأنه لا سبيل إلى نجاتهم منه . وفي الحديث ووحد الضمير في به ، وإن كان قد تقدم شيئان معطوف عليه ومعطوف ، وهو ما في الأرض ومثله معه ، إما لفرض تلازمهما فأجريا مجرى الواحد كما قالوا : رب يوم وليلة مر بي ، وإما لإجراء الضمير [ ص: 473 ] مجرى اسم الإشارة كأنه قال : ليفتدوا بذلك . قال يقال للكافر أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به فيقول نعم . فيقال له قد سئلت أيسر من ذلك : ويجوز أن تكون الواو في : الزمخشري ومثله ، بمعنى مع ، فيوحد المرجوع إليه . ( فإن قلت ) : فبم ينتصب المفعول معه ؟ ( قلت ) : بما تستدعيه لو من الفعل ، لأن لو ثبت أن لهم ما في الأرض . انتهى . وإنما يوحد الضمير لأن حكم ما قبل المفعول معه في الخبر والحال وعود الضمير متأخرا حكمه متقدما ، تقول : الماء والخشبة استوى ، كما تقول : الماء استوى والخشبة [ ص: 474 ] وقد أجاز الأخفش في ذلك أن يعطى حكم المعطوف فتقول : الماء مع الخشبة استويا ، ومنع ذلك ابن كيسان . وقول : تكون الواو في : الزمخشري ومثله ، بمعنى مع ليس بشيء ، لأنه يصير التقدير مع مثله معه ; أي : مع مثل ما في الأرض مع ما في الأرض ، إن جعلت الضمير في معه عائدا على مثله ; أي : مع مثله مع ذلك المثل ، فيكون المعنى مع مثلين . فالتعبير عن هذا المعنى بتلك العبارة عي ، إذ الكلام المنتظم أن يكون التركيب إذا أريد ذلك المعنى مع مثليه . وقول : فإن قلت إلى آخر السؤال ، وهذا السؤال لا يرد ، لأنا قد بينا فساد أن تكون الواو واو مع ، وعلى تقدير وروده فهذا بناء منه على أن الواو إذا جاءت بعد لو كانت في موضع رفع على الفاعلية ، فيكون التقدير على هذا : لو ثبت كينونة ما في الأرض مع مثله لهم ليفتدوا به ، فيكون الضمير عائدا على ما فقط . وهذا الذي ذكره هو تفريع منه على مذهب الزمخشري في أن أن بعد لو في موضع رفع على الفاعلية ، وهو مذهب مرجوح . ومذهب المبرد أن أن بعد لو في موضع رفع على الابتداء . سيبويه لا يظهر من كلامه في هذا الكتاب وفي تصانيفه أنه وقف على مذهب والزمخشري في هذه المسألة ، وعلى التفريع على مذهب سيبويه لا يصح أن يكون ومثله مفعولا معه ، ويكون العامل فيه ما ذكر من الفعل - وهو ثبت - بوساطة الواو لما تقدم من وجود لفظ معه . وعلى تقدير سقوطها لا يصح ، لأن " ثبت " ليست رافعة لما العائد عليها الضمير ، وإنما هي رافعة مصدرا منسبكا من أن وما بعدها وهو كون ، إذ التقدير : لو ثبت كون ما في الأرض جميعا لهم ومثله معه ليفتدوا به ، والضمير عائد على ما دون الكون . فالرافع للفاعل غير الناصب للمفعول معه ، إذ لو كان إياه للزم من ذلك وجود الثبوت مصاحبا للمثل ; والمعنى : على كينونة ما في الأرض مصاحبا للمثل ، لا على ثبوت ذلك مصاحبا للمثل ، وهذا فيه غموض ، وبيانه ، أنك إذا قلت : يعجبني قيام زيد وعمرو ، أو جعلت عمرا مفعولا معه ، والعامل فيه يعجبني ، لزم من ذلك أن عمرا لم يقم ، وأنه أعجبك القيام وعمرو ، وإن جعلت العامل فيه القيام كان عمرو قائما ، وكان الإعجاب قد تعلق بالقيام مصاحبا لقيام عمرو . ( فإن قلت ) : هلا كان ومثله معه ، مفعولا معه والعامل فيه هو العامل في لهم ، إذ المعنى عليه . ( قلت ) : لا يصح ذلك لما ذكرناه من وجود معه في الجملة ، وعلى تقدير سقوطها لا يصح لأنهم نصوا على أن قولك : هذا لك وأباك ، ممنوع في الاختيار . وقال المبرد : وأما هذا لك وأباك ، فقبيح ; لأنه لم يذكر فعلا ولا حرفا فيه معنى فعل ; حتى يصير كأنه قد تكلم بالفعل ، فأفصح سيبويه بأن اسم الإشارة وحرف الجر المتضمن معنى الاستقرار لا يعملان في المفعول معه ، ولو كان أحدهما يجوز أن ينتصب المفعول معه لخير بين أن ينسب العمل لاسم الإشارة أو لحرف الجر . وقد أجاز بعض النحويين أن يعمل في المفعول معه الظرف وحرف الجر ، فعلى هذا المذهب يجوز لو كانت الجملة خالية من قوله : معه ، أن يكون ومثله مفعولا معه على أن العامل فيه هو العامل في لهم . وقرأ الجمهور : ما تقبل ، مبنيا للمفعول . وقرأ سيبويه يزيد بن قطيب : ما تقبل مبنيا للفاعل ; أي : ما تقبل الله منهم . وفي الكلام جملة محذوفة ، التقدير : وبذلوه وافتدوا به ما تقبل منهم ، إذ لا يترتب انتفاء التقبل على كينونة ما في الأرض ومثله معه ، إنما يترتب على بذل ذلك أو الافتداء به .
( ولهم عذاب أليم ) هذا الوعيد هو لمن وافى على الكفر ، وتبينه آية آل عمران ( وماتوا وهم كفار فلن يقبل ) الآية ، وهذه الجملة يجوز أن تكون عطفا على خبر : ( إن الذين كفروا ) ويجوز أن تكون عطفا على ( إن الذين كفروا ) ، وجوزوا أن تكون في موضع الحال وليس بقوي .