وإن رأوا سية طاروا بها فرحا مني وما علموا من صالح دفنوا
( فأصبح من النادمين ) قبل هذه جملة محذوفة ، تقديرها : فوارى سوءة أخيه . والظاهر أن ندمه كان على قتل أخيه لما لحقه من عصيان وإسخاط أبويه ، وتبشيره أنه من أصحاب النار . وهذا يدل على أنه كان عاصيا لا كافرا . قيل : ولم ينفعه ندمه ، لأن كون الندم توبة خاص بهذه الأمة . وقيل : من النادمين على حمله . وقيل : من النادمين : خوف الفضيحة . وقال : من النادمين على قتله لما تعب من حمله ، وتحيره في أمره ، وتبين له من عجزه وتلمذته للغراب ، واسوداد لونه ، وسخط أبيه ، ولم يندم ندم التائبين . انتهى . وقد اختلف العلماء في الزمخشري قابيل ، أكان كافرا أم عاصيا ؟ وفي الحديث : إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلا فخذوا من خيرها ودعوا شرها وحكى المفسرون عجائب مما جرى بقتل هابيل من رجفان الأرض سبعة أيام ، وشرب الأرض دمه ، وإيسال الشجر ، وتغير الأطعمة ، وحموضة الفواكه ، ومرارة الماء ، واغبرار الأرض ، وهرب قابيل بأخته ، إقليميا ، إلى عدن من أرض اليمن ، وعبادته النار ، وانهماك أولاده في اتخاذ آلات اللهو وشرب الخمر والزنا والفواحش حتى أغرقهم الله بالطوفان ; والله أعلم بصحة ذلك . قال : وروي أن الزمخشري آدم مكث بعد قتله مائة سنة لا يضحك ، وأنه رثاه بشعر ، وهو كذب بحت ، وما الشعر إلا منحول ملحون . وقد صح أن الأنبياء معصومون من الشعر . وروى عن ميمون بن مهران أنه قال : من قال إن ابن عباس آدم قال شعرا فهو كذب ، ورمى آدم بما لا يليق بالنبوة ، لأن محمدا والأنبياء ، عليهم السلام ، كلهم في النفي عن الشعر سواء . قال الله تعالى : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) ولكنه كان ينوح عليه ، وهو أول شهيد كان على [ ص: 468 ] وجه الأرض ويصف حزنه عليه نثرا من الكلام شبه المرثية ، فتناسخته القرون وحفظوا كلامه ، فلما وصل إلى يعرب بن قحطان وهو أول من خط بالعربية فنظمه ; فقال :
تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح
وذكر بعد هذا البيت ستة أبيات ، وأن إبليس أجابه في الوزن والقافية بخمسة أبيات . وقول في الشعر : إنه ملحون ، يسير فيه إلى بيت وهو الثاني : الزمخشري
تغير كل ذي لون وطعم وقل بشاشة الوجه المليح
يرويه بشاشة الوجه المليح على الإقواء ، ويروى بنصب بشاشة من غير تنوين ورفع الوجه المليح . وليس بلحن ، قد خرجوه على حذف التنوين من بشاشة ، ونصبه على التمييز ، وحذف التنوين لالتقاء الألف واللام قد جاء في كلامهم ؛ قرئ : ( أحد الله الصمد ) وروي ، ولا ذاكر الله ، بحذف التنوين .