( كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) .
قرأ الحرميان وابن عامر : " ليكة " هنا ، وفي ( ص ) بغير لام ممنوع الصرف . وقرأ باقي السبعة " الأيكة " ، بلام التعريف . فأما قراءة الفتح ، فقال أبو عبيد : وجدنا في بعض التفسير : أن ليكة اسم للقرية ، والأيكة : البلاد كلها ، كمكة وبكة ، ورأيتها في الإمام مصحف عثمان في الحجر و ( ق ) " الأيكة " ، وفي الشعراء و ( ص ) " ليكة " ، واجتمعت مصاحف الأمصار كلها بعد على ذلك ولم تختلف . انتهى . وقد طعن في هذه القراءة المبرد وابن قتيبة والزجاج وأبو علي الفارسي والنحاس ، وتبعهم ؛ ووهموا القراء وقالوا : حملهم على ذلك كون الذي كتب في هذين الموضعين على اللفظ في من نقل حركة الهمزة إلى اللام وأسقط الهمزة ، فتوهم أن اللام من بنية الكلمة ففتح الياء ، وكان الصواب أن يجيز ، ثم مادة ل ي ك لم يوجد منها تركيب ، فهي مادة مهملة . كما أهملوا مادة خ ذ ج منقوطا ، وهذه نزغة اعتزالية ، يعتقدون أن بعض القراءة بالرأي لا بالرواية ، وهذه قراءة متواترة لا يمكن الطعن فيها ، ويقرب إنكارها من الردة ، والعياذ بالله . أما نافع ، فقرأ على سبعين من التابعين ، وهم عرب فصحاء ، ثم قراءة الزمخشري أهل المدينة قاطبة . وأما ابن كثير ، فقرأ على سادة التابعين ممن كان بمكة ، كمجاهد وغيره ، وقد قرأ عليه إمام البصرة ، وسأله بعض العلماء : أقرأت على أبو عمرو بن العلاء ابن كثير ؟ قال : نعم ، ختمت على ابن كثير بعدما ختمت على مجاهد ، وكان ابن كثير أعلم من مجاهد باللغة . قال أبو عمرو : ولم يكن بين القراءتين كبير - يعني خلافا . وأما ابن عامر فهو إمام أهل الشام ، وهو عربي قح ، قد سبق اللحن ، أخذ عن عثمان ، وعن وغيرهما . فهذه أمصار ثلاثة اجتمعت على [ ص: 38 ] هذه القراءة الحرمان أبي الدرداء مكة والمدينة والشام ، وأما كون هذه المادة مفقودة في لسان العرب ، فإن صح ذلك كانت الكلمة عجمية ، ومواد كلام العجم مخالفة في كثير مواد كلام العرب ، فيكون قد اجتمع على منع صرفها العلمية والعجمة والتأنيث .
وتقدم مدلول الأيكة في الحجر ، وكان شعيب - عليه السلام - من أهل مدين ، فلذلك جاء : ( وإلى مدين أخاهم شعيبا ) . ولم يكن من أهل الأيكة ، فلذلك قال هنا : ( إذ قال لهم شعيب ) . ومن غريب النقل ما روي عن ، أن ( ابن عباس أصحاب الأيكة ) هم أصحاب مدين ، وعن غيره ، أن ( أصحاب الأيكة ) هم أهل البادية ، وأصحاب مدين هم الحاضرة . وروي في الحديث : " أن شعيبا أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة ، أمرهم بإيفاء الكيل ، وهو الواجب ، ونهاهم عن الإخسار ، وهو التطفيف ، ولم يذكر الزيادة على الواجب ، لأن النفوس قد تشح بذلك فمن فعله فقد أحسن ، ومن تركه فلا حرج " . وتقدم تفسير القسطاس في سورة الإسراء . وقال : إن كان من القسط ، وهو العدل ، وجعلت العين مكررة ، فوزنه فعلاء ، وإلا فهو رباعي . انتهى . ولو تكرر ما يماثل العين في النطق ، لم يكن عند البصريين إلا رباعيا . وقال الزمخشري ابن عطية : هو مبالغة من القسط . انتهى . والظاهر أن قوله : ( وزنوا ) هو أمر بالوزن ، إذ عادل قوله : ( أوفوا الكيل ) فشمل ما يكال وما يوزن مما هو معتاد فيه ذلك . وقال ابن عباس ومجاهد : معناه عدلوا أموركم كلها بميزان العدل الذي جعله الله لعباده .