وانتصب ( وعدا ) على المصدر ، والمفعول الثاني ليعدكم محذوف أو أطلق الوعد ويراد به الموعود فيكون هو المفعول الثاني ، وفي قوله ( أفطال ) إلى آخره توقيف على أعذار لم تكن ، ولا تصح لهم وهو طول العهد حتى يتبين لهم خلف في الموعد وإرادة حلول غضب الله ، وذلك كله لم يكن ولكنهم عملوا عمل من لم يتدبر . وسمي العذاب غضبا من حيث هو ناشئ عن الغضب ، فإن جعل بمعنى الإرادة فصفة ذات أو عن ظهور النقمة والعذاب فصفة فعل و ( موعدي ) مصدر يحتمل أن يضاف إلى الفاعل ، أي : أوجدتموني أخلفت ما وعدتكم ، من قول العرب " فلان أخلف وعد فلان " إذا وجده وقع فيه الخلف ، قاله المفضل ، وأن يضاف إلى المفعول ، وكانوا وعدوه أن يتمسكوا بدين الله وسنة موسى عليه السلام ولا يخالفوا أمر الله أبدا فأخلفوا موعده بعبادتهم العجل . وقرأ الأخوان ، والحسن ، ، والأعمش وطلحة ، ، وقعنب ( بملكنا ) بضم الميم . وقرأ وابن أبي ليلى ، زيد بن علي ونافع ، وعاصم ، وأبو جعفر ، وشيبة ، بفتحها ، وباقي السبعة بكسرها . وقرأ وابن سعدان عمر رضي الله عنه ( بملكنا ) بفتح الميم واللام ، وحقيقته بسلطاننا ، فالملك والملك بمنزلة النقض والنقض . والظاهر أنها لغات والمعنى واحد ، وفرق أبو علي وغيره بين معانيها ، فمعنى الضم أنه لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك بسلطانه ، وإنما أخلفناه بنظر أدى إليه ما فعل السامري ، فليس المعنى أن لهم ملكا ، وإنما هذا كقول : ذي الرمة
لا يشتكي سقط منها وقد رقصت بها المفاوز حتى ظهرها حدب
أي : لا يكون منها سقطة فتشتكي ، وفتح الميم مصدر من ملك ، والمعنى : ما فعلنا ذلك بأنا ملكنا الصواب ولا وقفنا له ، بل غلبتنا أنفسنا ، وكسر الميم كثر استعماله فيما تحوزه اليد ولكنه يستعمل في الأمور التي يبرمها الإنسان ، ومعناها كمعنى التي قبلها . والمصدر في هذين الوجهين مضاف إلى الفاعل ، والمفعول مقدر ، أي ( يملكنا ) الصواب .وقال : أي ( ما أخلفنا موعدك ) بأن ملكنا أمرنا [ ص: 269 ] أي لو ملكنا أمرنا وخلينا ورأينا لما أخلفناه ، ولكن غلبنا من جهة السامري وكيده . وقرأ الأخوان ، الزمخشري وأبو عمرو ، وابن محيصن بفتح الحاء والميم ، وأبو رجاء بضم الحاء وكسر الميم . وقرأ باقي السبعة ، وأبو جعفر ، وشيبة ، وحميد ، ويعقوب غير روح كذلك إلا أنهم شددوا الميم ، والأوزار الأثقال أطلق على ما كانوا استعاروا من لقيط برسم التزين أوزارا لثقلها ، أو لسبب أنهم أثموا في ذلك فسميت أوزارا لما حصلت الأوزار التي هي الآثام بسببها . والقوم هنا القبط . وقيل : أمرهم بالاستعارة موسى . وقيل : أمر الله موسى بذلك . وقيل : هو ما ألقاه البحر مما كان على الذين غرقوا . وقيل : الأوزار التي هي الآثام من جهة أنهم لم يردوها إلى أصحابها ، ومعنى أنهم حملوا الآثام وقذفوها على ظهورهم كما جاؤهم يحملون أوزارهم على ظهورهم . وقيل معنى ( فقذفناهم ) أي الحلي على أنفسنا وأولادنا . وقيل ( فقذفناها ) في النار أي ذلك الحلي ، وكان أشار عليهم بذلك السامري فحفرت حفرة وسجرت فيها النار وقذف كل من معه شيء ما عنده من ذلك في النار . وقذف السامري ما معه . ومعنى ( فكذلك ) أي مثل قذفنا إياها ( ألقى السامري ) ما كان معه . وظاهر هذه الألفاظ أن العجل لم يصنعه السامري . وقال : ( الزمخشري فكذلك ألقى السامري ) أراهم أنه يلقي حليا في يده مثل ما ألقوا وإنما ألقى التربة التي أخذها من موطئ حيزوم فرس جبريل عليه السلام ، أوحى إليه وليه الشيطان أنها إذا خالطت مواتا صار حيوانا فأخرج لهم السامري من الحفرة عجلا خلقه الله من الحلي التي سبكتها النار تخور كخور العجاجيل . والمراد بقوله ( فإنا قد فتنا قومك ) هو خلق العجل للامتحان أي امتحناهم بخلق العجل وحملهم السامري على الضلال وأوقعهم فيه حين قال لهم ( هذا إلهكم وإله موسى ) . انتهى .
وقيل : معنى ( جسدا ) شخصا . وقيل : لا يتغذى ، وتقدم الكلام على قوله ( له خوار ) في الأعراف . والضمير في ( فقالوا ) لبني إسرائيل أي ضلوا حين قال كبارهم لصغارهم و ( هذا ) إشارة إلى العجل . وقيل : الضمير في ( فقالوا ) عائد على السامري أخبر عنه بلفظ الجمع تعظيما لجرمه . وقيل : عليه وعلى تابعيه . وقرأ فنسي بسكون الياء ، والظاهر أن الضمير في ( الأعمش فنسي ) عائد على السامري أي ( فنسي ) إسلامه وإيمانه قاله ، أو فترك ما كان عليه من الدين قاله ابن عباس مكحول ، وهو كقول أو ( ابن عباس فنسي ) أن العجل ( ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ) و ( فنسي ) الاستدلال على حدوث الأجسام وأن الإله لا يحل في شيء ولا يحل فيه شيء وعلى هذه الأقوال يكون ( فنسي ) إخبارا من الله عن السامري . وقيل : الضمير عائد على موسى عليه السلام أي ( فنسي ) موسى أن يذكر لكم أن هذا إلهكم أو ( فنسي ) الطريق إلى ربه ، وكلا هذين القولين عن . أو ( ابن عباس فنسي ) موسى إلهه عندكم وخالفه في طريق آخر قاله قتادة ، وعلى هذه الأقوال يكون من كلام السامري . ثم بين تعالى فساد اعتقادهم بأن الألوهية لا تصلح لمن سلبت عنه هذه الصفات فقال : ( أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ) وهذا كقول إبراهيم عليه السلام ( لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ) والرؤية هنا بمعنى العلم ، ولذلك جاء بعدها أن المخففة من الثقيلة كما جاء ( ألم يروا أنه لا يكلمهم ) بأن الثقيلة وبرفع يرجع قرأ الجمهور . وقرأ أبو حيوة ( ألا يرجع ) بنصب العين قاله ابن خالويه وفي الكامل ووافقه على ذلك وعلى نصب ( ولا يملك ) الزعفراني وابن صبيح وأبان والشافعي محمد بن إدريس الإمام المطلبي جعلوها أن الناصبة للمضارع وتكون الرؤية من الإبصار .