لما ثنى الله عني شر عذرته وانمزت لا منسئا دعرا ولا رجلا
( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) لما ذكر ما يحل بهم من حشرهم إلى النار ، وجعلهم فيها وخسرهم تلطف بهم ، وأنهم إذا انتهوا عن الكفر وآمنوا غفرت لهم ذنوبهم السالفة ، وليس ثم ما يترتب على الانتهاء عنه غفران الذنوب سوى الكفر ، فلذلك كان المعنى : إن ينتهوا عن الكفر ، واللام في للذين الظاهر أنها للتبليغ ، وأنه أمر أن يقول لهم هذا المعنى الذي تضمنته ألفاظ الجملة المحكية بالقول ، وسواء قاله بهذه العبارة أم غيرها ، وجعل اللام لام العلة ، فقال : أي قل لأجلهم هذا القول : إن ينتهوا ، ولو كان بمعنى خاطبهم به لقيل : إن تنتهوا نغفر لكم ، وهي قراءة الزمخشري ، ونحوه : ( ابن مسعود وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ) خاطبوا به غيرهم ليسمعوه ، انتهى ، وقرئ يغفر مبنيا للفاعل والضمير لله تعالى .( وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين ) . العود يقتضي الرجوع إلى شيء سابق ، ولا يكون الكفر لأنهم لم ينفصلوا عنه ، فالمعنى عودهم إلى ما أمكن انفصالهم منه ، وهو قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : وإن يعودوا إلى الارتداد بعد الإسلام ، وبه فسر أبو حنيفة وإن يعودوا ، واحتج بالآية على أن المرتد إذا أسلم فلا يلزمه قضاء العبادات المتروكة في حال الردة وقبلها ، وأجمعوا على أن الحربي إذا أسلم لم تبق عليه تبعة ، وأما إذا أسلم الذمي فيلزمه قضاء حقوق الآدميين لا حقوق الله تعالى ، والظاهر دخول الزنديق في عموم قوله : ( قل للذين كفروا ) ، فتقبل توبته ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وقال والشافعي مالك : لا تقبل ، وقال : التوحيد لا يعجز عن هدم ما قبله من كفر ، فلا يعجز عن هدم ما بعده من ذنب ، وجواب الشرط قالوا : ( يحيى بن معاذ الرازي فقد مضت سنة الأولين ) ، ولا يصح ذلك على ظاهره ، بل ذلك دليل على الجواب ، والتقدير : وإن يعودوا انتقمنا منهم وأهلكناهم فقد مضت سنة الأولين في أنا انتقمنا منهم وأهلكناهم بتكذيب أنبيائهم وكفرهم ، ويحتمل ( سنة الأولين ) أن يراد بها سنة الذين حاق بهم مكرهم يوم بدر ، وسنة الذين تحزبوا على أنبيائهم فدمروا فليتوقعوا مثل ذلك ، وتخويفهم بقصة بدر أشد إذ هي قريبة معاينة لهم ، وعليها نص السدي وابن إسحاق ، ويحتمل أن يراد بقوله سنة الأولين من تقدم من أهل بدر [ ص: 495 ] والأمم السالفة ، والمعنى : فقد عاينتم قصة بدر وسمعتم ما حل بهم .