كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا
جملة مستأنفة تذييلية أفادت التنويه بقصة رسالة موسى وما عقبها من الأعمال التي مع بني إسرائيل ابتداء من قوله : وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا ، أي مثل هذا القصص نقص عليك من أنباء القرون الماضية . والإشارة راجعة إلى القصة المذكورة . والمراد بقوله : " نقص " قصصنا ، وإنما صيغ المضارع لاستحضار الحالة الحسنة في ذلك القصص .
[ ص: 302 ] والتشبيه راجع إلى تشبيهها بنفسها ، كناية عن كونها إذا أريد تشبيهها وتقريبها بما هو أعرف منها في بابها لم يجد مريد ذلك طريقا لنفسه في التشبيه إلا أن يشبهها بنفسها ، لأنها لا يفوقها غيرها في بابها حتى تقرب به ، على نحو ما تقدم في قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا في سورة البقرة ، ونظائره كثيرة في القرآن .
و " من " في قوله : من أنباء ما قد سبق تبعيضية ، وهي صفة لمحذوف تقديره : قصصا من أنباء ما قد سبق . ولك أن تجعل " من " اسما بمعنى بعض ، فتكون مفعول " نقص " .
والأنباء : الأخبار . و " ما " الموصولة ماصدقها الأزمان ؛ لأن الأخبار تضاف إلى أزمانها ، كقولهم : أخبار أيام العرب ، والقرون الوسطى . وهي كلها من حقها في الموصولية أن تعرف بـ " ما " الغالبة في غير العاقل . ومعلوم أن المقصود ما فيها من أحوال الأمم ، فلو عرفت بـ " من " الغالبة في العقلاء لصح ذلك ، كل ذلك واسع .
وقوله : وقد آتيناك من لدنا ذكرا إيماء إلى أن ما يقص من أخبار الأمم ليس المقصود به قطع حصة الزمان ولا إيناس السامعين بالحديث ؛ إنما المقصود منه هذه القصة ، وهو إعراض الأمة عن هدي رسولها وانصياعها إلى تضليل المضللين من بينها . فللإيماء إلى هذا قال تعالى العبرة والتذكرة وإيقاظ لبصائر المشركين من العرب إلى موضع الاعتبار من وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه .
وتنكير ذكرا للتعظيم ، أي آتيناك كتابا عظيما . وقوله : من لدنا توكيد لمعنى آتيناك بأنه عطية كانت مخزونة عند الله فخص بها خير عباده . وتنويه بشأن القرآن
[ ص: 303 ] والوزر : الإثم . وجعل محمولا تمثيلا لملاقاة المشقة من جراء الإثم ، أي من العقاب عنه ، فهنا مضاف مقدر وقرينته الحال في قوله : خالدين فيه ، وهو حال من اسم الموصول أو الضمير المنصوب بحرف التوكيد ، وماصدقها متحد ، وإنما اختلف بالإفراد والجمع رعيا للفظ " من " مرة ، ولمدلولها مرة ، وهو الجمع المعرضون ، فقال : " من أعرض " ثم قال : " خالدين " . وجملة وساء لهم يوم القيامة حملا حال ثانية ، أي : ومسوئين به . و " ساء " هنا هو أحد أفعال الذم مثل " بئس " ، وفاعل " ساء " ضمير مستتر مبهم يفسره التمييز الذي بعده وهو " حملا " .
والحمل - بكسر الحاء - اسم بمعنى المحمول ، كالذبح بمعنى المذبوح . والمخصوص بالذم محذوف لدلالة لفظ " وزرا " عليه . والتقدير : وساء لهم حملا وزرهم ، وحذف المخصوص في أفعال المدح والذم شائع كقوله تعالى : ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب أي سليمان هو الأواب . واللام في قوله : " وساء لهم " لام التبيين ، وهي مبينة للمفعول في المعنى ؛ لأن أصل الكلام : ساءهم الحمل ، فجيء باللام لزيادة تبيين تعلق الذم بحمله . فاللام لبيان الذين تعلق بهم سوء الحمل .
والحمل - بكسر الحاء - المحمول ، مثل الذبح .