عطف على جملة ( ويقول الإنسان أإذا ما مت ) فضمير اتخذوا عائد إلى الذين أشركوا لأن الكلام جرى على بعض منهم . والاتخاذ : جعل الشخص الشيء لنفسه ، فجعل الاتخاذ هنا الاعتقاد والعبادة . وفي فعل الاتخاذ إيماء إلى أن عقيدتهم في تلك الآلهة شيء مصطلح عليه مختلق لم يأمر الله به كما قال تعالى عن إبراهيم ( قال أتعبدون ما تنحتون ) . وفي قوله ( من دون الله ) إيماء إلى أن الحق يقتضي أن يتخذوا الله إلها ، إذ بذلك تقرر الاعتقاد الحق من مبدإ الخليقة ، وعليه دلت العقول الراجحة .
ومعنى ( ليكونوا لهم عزا ) ليكونوا معزين لهم ، أي ناصرين ، فأخبر عن الآلهة بالمصدر لتصوير اعتقاد المشركين في آلهتهم أنهم نفس العز ، أي أن مجرد الانتماء لها يكسبهم عزا . [ ص: 164 ] وأجرى على الآلهة ضمير العاقل لأن المشركين الذين اتخذوهم توهموهم عقلاء مدبرين . والضميران في قوله ( سيكفرون ويكونون ) يجوز أن يكونا عائدين إلى آلهة ، أي سينكر الآلهة عبادة المشركين إياهم ، فعبر عن الجحود والإنكار بالكفر ، وستكون الآلهة ذلا ضد العز . والأظهر أن ضمير ( سيكفرون ) عائد إلى المشركين ، أي سيكفر المشركون بعبادة الآلهة فيكون مقابل قوله ( واتخذوا من دون الله آلهة ) . وفيه تمام المقابلة ، أي بعد أن تكلفوا جعلهم آلهة لهم سيكفرون بعبادتهم ، فالتعبير بفعل ( سيكفرون ) يرجح هذا الحمل لأن الكفر شائع في الإنكار الاعتقادي لا في مطلق الجحود ، وأن ضمير يكونون للآلهة وفيه تشتيت الضمائر . ولا ضير في ذلك إذ كان السياق يرجع كلا إلى ما يناسبه ، كقول عباس بن مرداس :
عدنا ولولا نحن أحدق جمعهم بالمسلمين وأحرزوا ما جمعوا
أي وأحرز جمع المشركين ما جمعه المسلمون من الغنائم .
ويجوز أن يكون ضميرا ( سيكفرون ويكونون ) راجعين إلى المشركين ، و " أن " حرف الاستقبال للحصول قريبا ؛ أي سيكفر المشركون بعبادة الأصنام ويدخلون في الإسلام ويكونون ضدا على الأصنام يهدمون هياكلها ويلعنونها ، فهو بشارة للنبيء - صلى الله عليه وسلم - بأن دينه سيظهر على دين الكفر . وفي هذه المقابلة طباق مرتين .
والضد : اسم مصدر ، وهو خلاف الشيء في الماهية أو المعاملة . ومن الثاني تسمية العدو ضدا . ولكونه في معنى المصدر لزم في حال الوصف به حالة واحدة بحيث لا يطابق موصوفه .