ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا .
تخلص من أغراض الاعتبار بما في القصة من إقامة المصالح في الدنيا على أيدي من اختاره الله لإقامتها من خاصة أوليائه ، إلى غرض التذكير بالموعظة بأحوال الآخرة ، وهو تخلص يؤذن بتشبيه حال تموجهم بحال تموج الناس في المحشر ، تذكيرا للسامعين بأمر الحشر وتقريبا بحصوله في خيال المشركين ، فإن القادر على جمع أمة كاملة وراء هذا السد ، بفعل من يسره لذلك من خلقه ، هو الأقدر على جمع الأمم في الحشر بقدرته ، لأن متعلقات القدرة في عالم الآخرة أعجب . وقد تقدم أن من أهم أغراض هذه السورة إثبات البعث .
واستعمل الماضي موضع المضارع تنبيها على تحقيق وقوعه .
والنفخ في الصور تمثيلية مكنية تشبيها لحال الداعي المطاع وحال المدعو الكثير العدد السريع الإجابة ، بحال الجند الذين ينفذون أمر القائد بالنفير فينفخون في بوق النفير ، وبحال بقية الجند حين يسمعون بوق النفير فيسرعون إلى الخروج . على أنه يجوز أن يكون الصور من مخلوقات الآخرة .
[ ص: 42 ] والحالة الممثلة حالة غريبة لا يعلم تفصيلها إلا الله تعالى .
وتأكيد فعلي جمعناهم وعرضنا بمصدريهما لتحقق أنه جمع حقيقي وعرض حقيقي ليسا من المجاز ، وفي تنكير الجمع والعرض تهويل .
ونعت الكافرين بـ الذين كانت أعينهم في غطاء للتنبيه على أن مضمون الصلة هو سبب عرض جهنم لهم ، أي الذين عرفوا بذلك في الدنيا .
والغطاء : مستعار لعدم الانتفاع بدلالة البصر على تفرد الله بالإلهية . وحرف من للظرفية المجازية . وهي تمكن الغطاء من أعينهم بحيث كأنها محوية للغطاء .
وعن للمجاوزة ، أي عن النظر فيما يحصل به ذكري .
ونفي استطاعتهم السمع أنهم لشدة كفرهم لا تطاوعهم نفوسهم للاستماع . وحذف مفعول سمعا لدلالة قوله عن ذكري عليه .
والتقدير : سمعا لآياتي ، فنفي الاستطاعة مستعمل في نفي الرغبة وفي الإعراض كقوله وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر . وعرض جهنم مستعمل في إبرازها حين يشرفون عليها وقد سيقوا إليها فيعلمون أنها المهيئة لهم ، فشبه ذلك بالعرض تهكما بهم ، لأن العرض هو إظهار ما فيه رغبة وشهوة .