[ ص: 241 ] بسم الله الرحمن الرحيم .
. سورة الكهف
سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الكهف .
روى مسلم ، وأبو داود ، عن عن النبيء صلى الله عليه وسلم قال : أبي الدرداء لمسلم : من آخر الكهف ، عصم من فتنة الدجال . من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف وفي رواية
ورواه الترمذي عن بلفظ : أبي الدرداء ، قال من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال الترمذي : حديث حسن صحيح .
وكذلك وردت تسميتها عن في صحيح البراء بن عازب ، قال : البخاري . كان رجل يقرأ سورة الكهف ، وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدنو ، وتدنو ، وجعل فرسه ينفر ، فلما أصبح أتى النبيء صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : تلك السكينة تنزلت بالقرآن
وفي حديث أخرجه ابن مردويه عن النبيء صلى الله عليه وسلم أنه سماها سورة أصحاب الكهف .
وهي مكية بالاتفاق كما حكاه ابن عطية ، قال : وروي عن فرقد أن أول السورة إلى قوله " جرزا " نزل بالمدينة ، قال : والأول أصح .
[ ص: 242 ] وقيل قوله واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الآيتين ، نزلتا بالمدينة ، وقيل قوله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا إلى آخر السورة نزل بالمدينة ، وكل ذلك ضعيف ، كما سيأتي التنبيه عليه في مواضعه .
نزلت بعد سورة الغاشية ، وقبل سورة الشورى .
وهي الثامنة والستون في ترتيب نزول السور عند . جابر بن زيد
وقد ورد في فضلها أحاديث متفاوتة ، أصحها الأحاديث المتقدمة وهي من السور التي نزلت جملة واحدة ، روى الديلمي في سند الفردوس عن أنس قال : نزلت سورة الكهف جملة ، معها سبعون ألفا من الملائكة ، وقد أغفل هذا صاحب الإتقان .
وعدت آيها في عدد قراء المدينة ومكة مائة وخمسا ، وفي عدد قراء الشام مائة وستا ، وفي عدد قراء البصرة مائة وإحدى عشرة ، وفي عد قراء الكوفة مائة وعشرا ، بناء على اختلافهم في تقسيم بعض الآيات إلى آيتين .
وسبب نزولها ما ذكره كثير من المفسرين ، وبسطه في سيرته بدون سند ، وأسنده ابن إسحاق إلى الطبري بسند فيه رجل مجهول : ابن عباس أن المشركين لما أهمهم أمر النبيء صلى الله عليه وسلم ، وازدياد المسلمين معه ، وكثر تساؤل الوافدين إلى مكة من قبائل العرب عن أمر دعوته ، بعثوا النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة " يثرب " ، يسألونهم رأيهم في دعوته ، وهم يطمعون أن يجد لهم الأحبار ما لم يهتدوا إليه مما يوجهون به تكذيبهم إياه ، قالوا : فإن اليهود أهل الكتاب الأول ، وعندهم من علم الأنبياء ، أي صفاتهم وعلاماتهم ، علم ليس عندنا ، فقدم النضر وعقبة إلى المدينة ، ووصفا لليهود دعوة النبيء صلى الله عليه وسلم [ ص: 243 ] وأخبراهم ببعض قوله ، فقال لهم أحبار اليهود : سلوه عن ثلاث ؟ فإن أخبركم بهن فهو نبيء ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم ، وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وسلوه عن الروح ما هي ، فرجع النضر ، وعقبة فأخبرا قريشا بما قاله أحبار اليهود ، فجاء جمع من المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن هذه الثلاثة ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخبركم بما سألتم عنه غدا ، وهو ينتظر وقت نزول الوحي عليه بحسب عادة يعلمها ، ولم يقل : إن شاء الله ، فمكث رسول الله ثلاثة أيام لا يوحى إليه ، وقال : خمسة عشر يوما ، فأرجف ابن إسحاق أهل مكة وقالوا : وعدنا محمد غدا وقد أصبحنا اليوم عدة أيام لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه ، حتى أحزن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشق عليه ، ثم جاءه جبريل عليه السلام بسورة الكهف ، وفيها جوابهم عن الفتية وهم أهل الكهف ، وعن الرجل الطواف ، وهو ذو القرنين ، وأنزل عليه فيما سألوه من أمر الروح ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا في سورة الإسراء ، قال السهيلي : وفي رواية عن من غير طريق ابن إسحاق الذي يروي عنه البكائي أي زياد بن عبد الله البكائي ابن هشام أنه قال في هذا الخبر : فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو - أي الروح - جبريل ، وهذا خلاف ما روى غيره أن يهود قالت لقريش : سلوه عن الروح فإن أخبركم به فليس بنبيء ، وإن لم يخبركم به فهو نبيء . اهـ .
وأقول : قد يجمع بين الروايتين بأن النبيء صلى الله عليه وسلم بعد أن أجابهم عن أمر الروح بقوله تعالى قل الروح من أمر ربي بحسب ما عنوه بالروح عدل بهم إلى الجواب عن أمر كان أولى لهم العلم به ، وهو الروح الذي تكرر ذكره في القرآن ، مثل قوله نزل به الروح الأمين وقوله والروح فيها ( وهو من ألقاب جبريل ) على طريقة الأسلوب [ ص: 244 ] الحكيم مع ما فيه من الإغاظة لليهود ; لأنهم أعداء جبريل كما أشار إليه قوله تعالى قل من كان عدوا لجبريل الآية ، ووضحه حديث في قوله للنبيء صلى الله عليه وسلم حين ذكر عبد الله بن سلام جبريل عليه السلام : ذاك عدو اليهود من الملائكة ، فلم يترك النبيء صلى الله عليه وسلم لهم منفذا قد يلقون منه التشكيك على قريش إلا سده عليهم .
وقد يعترضك هنا : أن الآية التي نزلت في أمر الروح هي من سورة الإسراء ، فلم تكن مقارنة للآية النازلة في شأن الفتية ، وشأن الرجل الطواف ، فماذا فرق بين الآيتين ؟ وأن سورة الإسراء يروى أنها نزلت قبل سورة الكهف ، فإنها معدودة سادسة وخمسين في عداد نزول السور ، وسورة الكهف معدودة ثامنة وستين في النزول ، وقد يجاب عن هذا بأن آية الروح قد تكون نزلت على أن تلحق بسورة الإسراء ; فإنها نزلت في أسلوب سورة الإسراء ، وعلى مثل فواصلها ، ولأن الجواب فيها جواب بتفويض العلم إلى الله ، وهو مقام يقتضي الإيجاز ، بخلاف الجواب عن أهل الكهف ، وعن ذي القرنين ، فإنه يستدعي بسطا وإطنابا ، ففرقت آية الروح عن القصتين .
على أنه يجوز أن يكون نزول سورة الإسراء مستمرا إلى وقت نزول سورة الكهف ، فأنزل قرآن موزع عليها وعلى سورة الكهف ، وهذا على أحد تأويلين في معنى كون الروح من أمر ربي كما تقدم في سورة الإسراء ، والذي عليه جمهور الرواة أن آية ويسألونك عن الروح مكية إلا ما روي عن ابن مسعود ، وقد علمت تأويله في سورة الإسراء .
فاتضح من هذا أن أهم غرض نزلت فيه سورة الكهف هو بيان قصة أصحاب الكهف ، وقصة ذي القرنين ، وقد ذكرت أولاهما في أول السورة ، وذكرت الأخرى في آخرها .
كرامة قرآنية :
لوضع هذه السورة على هذا الترتيب في المصحف مناسبة حسنة ألهم الله [ ص: 245 ] إليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رتبوا المصحف ، فإنها تقارب نصف المصحف ، إذ كان في أوائلها موضع قيل هو نصف حروف القرآن ، وهو ( التاء ) من قوله تعالى وليتلطف وقيل : نصف حروف القرآن هو ( النون ) من قوله تعالى لقد جئت شيئا نكرا في أثنائها ، وهو نهاية خمسة عشر جزءا من أجزاء القرآن ، وذلك نصف أجزائه ، وهو قوله تعالى قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ، فجعلت هذه السورة في مكان قرابة نصف المصحف .
وهي مفتتحة بالحمد حتى يكون افتتاح النصف الثاني من القرآن بـ " الحمد لله " كما كان افتتاح النصف الأول بـ " الحمد لله " ، وكما كان أول الربع الرابع منه تقريبا بـ الحمد لله فاطر السماوات والأرض .