[ ص: 278 ] وهذا حال عظيم ، وهو ما هيأ الله لهم في أمرهم من مرفق ، وأن ذلك جزاؤهم على اهتدائهم ، وهو من لطف الله بهم .
والخطاب لغير معين ، والمعنى : يرى من تمكنه الرؤية ، وهذا كثير في الاستعمال ، ومنه قول النابغة :
ترى عافيات الطير قد وثقت لها بشبع من السخل العتاق الأكايل
وقد أوجز من الخبر أنهم لما قال بعضهم لبعض فأووا إلى الكهف أنهم أووا إليه ، والتقدير : فأخذوا بنصيحته ; فأووا إلى الكهف ، ودل عليه قوله في صدر القصة إذ أوى الفتية إلى الكهف فرد عجز الكلام على صدره .و " تزاور " مضارع مشتق من الزور بفتح الزاي ، وهو الميل ، وقرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر بفتح التاء وتشديد الزاي بعدها ألف وفتح الواو ، وأصله : تتزاور بتاءين أدغمت تاء التفاعل في الزاي تخفيفا .
وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وخلف بتخفيف الزاي على حذف إحدى التاءين وهي تاء المضارعة للتخفيف اجتزاء برفع الفعل الدال على المضارعة ، وقرأه ابن عامر ويعقوب ( تزور ) بفتح التاء بعدها زاي ساكنة ، وبفتح الواو ، وتشديد الراء بوزن " تحمر " ، وكلها أبنية مشتقة من الزور بالتحريك ، وهو الميل عن المكان ، قال عنترة :
فازور من وقع القنا بلبانه
أي مال بعض بدنه إلى بعض وانقبض .والإتيان بفعل المضارعة للدلالة على تكرر ذلك كل يوم و " تقرضهم " أي تنصرف عنهم ، وأصل القرض القطع ، أي أنها لا تطلع في كهفهم .
[ ص: 279 ] و ذات اليمين وذات الشمال بمعنى صاحبة ، وهي صفة لمحذوف يدل عليه الكلام ، أي الجهة صاحبة اليمين ، وتقدم الكلام على " ذات " عند قوله تعالى وأصلحوا ذات بينكم في سورة الأنفال .
والتعريف في ( اليمين ، والشمال ) عوض عن المضاف إليه ، أي : يمين الكهف وشماله ، فيدل على أن فم الكهف كان مفتوحا إلى الشمال الشرقي ، فالشمس إذا طلعت تطلع على جانب الكهف ولا تخترقه أشعتها ، وإذا غربت كانت أشعتها أبعد عن فم الكهف منها حين طلوعها .
وهذا وضع عجيب يسره الله لهم بحكمته ; ليكون داخل الكهف بحالة اعتدال ، فلا ينتاب البلى أجسادهم ، وذلك من آيات قدرة الله .
والفجوة : المتسع من داخل الكهف ، بحيث لم يكونوا قريبين من فم الكهف ، وفي تلك الفجوة عون على حفظ هذا الكهف كما هو .