الخليفة المقتدي بأمر الله ، أبو القاسم ، عبيد الله بن ذخيرة الدين محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد بن إسحاق بن المقتدر العباسي .
تسلم الخلافة بعهد من جده يوم ثالث عشر شعبان سنة 467 وهو ابن عشرين سنة سوى أشهر وأمه أرجوان أم ولد ، بقيت بعده دهرا ، رأت ابن ابن ابنها المسترشد خليفة .
وكان حسن السيرة ، وافر الحرمة . أمر بنفي الخواطئ والقينات ، وأن لا يدخل أحد الحمام إلا بمئزر ، وأخرب أبراج الحمام ، وفيه ديانة ونجابة وقوة وعلو همة . وكان ملكشاه قد صمم على إخراجه من بغداد ، فحار ، [ ص: 319 ] والتجأ إلى الله ، فدفع عنه ، وهلك ملكشاه .
ولد بعد موت أبيه بأشهر ، وكان في اعتقال القائم نوبة البساسيري صغيرا ، فأخفي ، وحمله ابن المحلبان إلى حران .
وزر له فخر الدولة ابن جهير بوصية من جده .
وفي سنة 469 سار أتسز - الذي أخذ دمشق - إلى مصر ، وحاصرها ، وكاد أن يملكها ، فتضرع أهلها إلى الله ، فترحل بلا سبب ، ونازل القدس ، ثم أخذها ، وقتل ثلاثة ألاف ، وذبح القاضي والشهود صبرا ، وعسف .
وقال أبو يعلى بن القلانسي : كسره بمصر أمير الجيوش ، فرد وقد قتل أخوه ، وقطعت يد أخيه الآخر ، فسر الناس .
وكانت الفتنة الصعبة بين الحنبلية والقشيرية بسبب الاعتقاد ، وقتل بينهم جماعة ، وعظم البلاء ، وتشفت بهم الروافض ، وحاصر دمشق المصريون مرتين . وعزل ابن جهير الوزير لشده من الحنابلة .
وفي سنة 471 أقبل تاج الدولة تتش أخو ملكشاه ، فاستولى على دمشق ، وقتل أتسز ، وأحبه الناس . [ ص: 320 ] وفي سنة 73 مات صاحب اليمن أبو الحسن علي بن أحمد الصليحي وكانت دولته نحوا من عشرين سنة ، وكان على دين العبيدية ، تحيل إلى أن تملك جميع اليمن . وكان أبوه من قضاة اليمن ، له سيرة في " تاريخي الكبير " . ورافعوا نظام الملك وزير ملكشاه .
قال : فمد سماطا ، وأقام عليه مماليكه ، وهم ألوف من الترك بخيلهم وسلاحهم ، وحضر السلطان ، ثم قال : إني خدمتك ، وخدمت أباك وجدك ، وقد بلغك أخذي للأموال ، وصدقوا ، إنما أصرفها على مثل هؤلاء الغلمان وهم لك ، وفي البر والصلات ، ومعظم أجرها لك ، وكل ما أملكه فبين يديك ، وأنا أقنع بمرقعة . فصفا له السلطان ، وأحبه ، وسمل سيد الرؤساء ابن الأثير أبا المحاسن الذي ناوأه .
وفي هذا القرب تملك سليمان بن قتلمش السلجوقي قونية وأقصرا . ثم سار ، فأخذ أنطاكية من الروم ، وكان لها في أيديهم مائة وعشرون سنة . وبعث بالبشارة إلى السلطان ملكشاه ، ثم تحارب هو ومسلم بن قريش في سنة 77 ، فقتل مسلم . ونازل ابن قتلمش حلب شهرا ، ثم ترحل .
ونازل الأذفيش مدينة طليطلة أعواما ، ثم كانت الملحمة الكبرى [ ص: 321 ] بالأندلس ، وانتصر المسلمون ، وأساء أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى ابن عباد ، وأخذ بلاده ، وسجنه .
وأقبل أمير الجيوش ، فنازل دمشق ، وضيق على تتش ، ثم ترحل .
وفي سنة 79 التقى تتش وصاحب قونية سليمان ، فقتل سليمان ، واستولى تتش على حلب . وأقبل أخوه السلطان من أصبهان إلى حلب ، فأخذها ، وهرب منه أخوه ، وناب بحلب قسيم الدولة ; جد نور الدين ، فعمرت به ، وافتتح السلطان الجزيرة ، وقدم بغداد ، وقدم بعده النظام ، ثم تصيد ، وعمل منارة القرون ، وجلس له المقتدي ، وخلع عليه خلع السلطنة ، وعلى أمرائه ، ونظام الملك يقدمهم ويترجم عنهم ، ثم كان عرس المقتدي على بنت السلطان ، ولم يسمع بمثل جهازها وعرسها ; دخل في الدعوة أربعون ألف منا من السكر .
ومات صاحب غزنة والهند المؤيد إبراهيم بن مسعود ابن السلطان محمود ، وتملك بعده ابنه جلال الدين ، زوج بنت ملكشاه التي غرم نظام الملك على عرسها ألفي ألف درهم . وسار ملكشاه ليملك سمرقند ، وافتتح ما وراء النهر ، وتضورت بنت ملكشاه من اطراح الخليفة لها ، فأذن لها في [ ص: 322 ] الذهاب إلى أصبهان مع ابنها جعفر ، وأقبل جيش مصر فأخذوا صور وعكا وجبيل .
وفتن السنة والشيعة متتالية ببغداد لا يعبر عنها .
وفي سنة 483 استولى ابن الصباح ; رأس الإسماعيلية على قلعة أصبهان ، فهذا أول ظهورهم . واستولت النصارى على سائر جزيرة صقلية ، وهي إقليم كبير . وكانت ملحمة جيان بالأندلس بين الفرنج والمسلمين ، ونصر الله ، وحصدت الفرنج . وافتتح ملكشاه اليمن على يد جنق أمير التركمان ، واستباحت خفاجة ركب العراق ، فذهب وراءهم عسكر ، فقتلوا منهم خلقا كثيرا ، ولم تقم لهم شوكة بعد .
ومات نظام الملك في سنة 86 ثم مات السلطان فسار من الشام أخوه تتش ليتسلطن ، وفي خدمته قسيم الدولة ، وصاحب أنطاكية ، وجماعة خطبوا له بمدائنهم . وسار ، وأنفق الأموال ، وأخذ الرحبة ثم نصيبين عنوة ، وقتل وعسف . وقصد الموصل ، فعمل معه صاحبها إبراهيم بن قريش [ ص: 323 ] مصافا ، فأسر إبراهيم ، وتمزق جمعه ، وقتل من الفريقين عشرة آلاف ، وذبح إبراهيم صبرا .
وأبيعت من النهب مائة شاة بدينار . ثم بعث تتش يطلب من الخليفة تقليد السلطنة . وافتتح ميافارقين وديار بكر وبعض أذربيجان ، فبادر بركياروق ابن أخيه ، فالتقوا ، فخامر قسيم الدولة وبوزان ، وصارا مع بركياروق ، فضعف تتش ، وولى إلى الشام .
وفي أول سنة سبع وثمانين خطب ببغداد للسلطان بركياروق ركن الدولة ، وعمل المقتدي على تقليده ، ثم مات فجأة من الغد ، تغدى وغسل يديه ، وعنده فتاته شمس النهار ، فقال : ما هذه الأشخاص دخلوا بلا إذن ؟ فارتابت ، وتغير ، وارتخت يداه ، وسقط ، فظنوه غشي عليه ، فطلبت الجارية وزيره ، ومات ، فأخذوا في البيعة لابنه أحمد المستظهر بالله في ثامن عشر المحرم . توفي وهو ابن تسع وثلاثين سنة ، وكان خلافته عشرين سنة ، وأخروا دفنه ثلاث ليال لكونه مات فجأة .
قال ابن النجار : اسم أمه علم . قال : وكان محبا للعلوم ، مكرما لأهلها ، لم يزل في دولة قاهرة وصولة باهرة ، وكان غزير الفضل ، كامل العقل ، بليغ النثر ، فمنه :
وعد الكرماء ألزم من ديون الغرماء . الألسن الفصيحة أنفع من الوجوه الصبيحة ، والضمائر الصحيحة أبلغ من الألسن الفصيحة . حق الرعية لازم [ ص: 324 ] للرعاة ، ويقبح بالولاة الإقبال على السعاة .
ومن نظمه :
أردت صفاء العيش مع من أحبه فحاولني عما أروم مريد وما اخترت بت الشمل بعد اجتماعه
ولكنه مهما يريد أريد
وكان الدست لوزير مصر أمير الجيوش . وكان حكم العراق والمشرق إلى السلجوقية ، وحكم المغرب إلى تاشفين وابنه ، وحكم اليمن إلى طائفة والأمر كله لله .