[ ص: 307 ] القائم
أمير المؤمنين ، القائم بأمر الله أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله أحمد ابن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد العباسي البغدادي
مولده في سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة .
وأمه أرمنية تسمى
بدر الدجى ، وقيل :
قطر الندى . وقد مر ذكره استطرادا بعد العشرين والثلاثمائة ، وأنه كان جميلا وسيما أبيض بحمرة ، ذا دين وخير وبر وعلم وعدل ، بويع سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ، وأنه نكب سنة خمسين في كائنة
البساسيري ، ففر إلى البرية في ذمام أمير
للعرب ، ثم عاد إلى خلافته بعد عام بهمة السلطان
طغرلبك ، وأزيلت خطبة خليفة
مصر المستنصر بالله من
العراق ، وقتل
البساسيري . ولما أن فر
القائم إلى البرية ، رفع قصة إلى رب العالمين مستعديا على من ظلمه ، ونفذ بها إلى
البيت الحرام ، فنفعت ، وأخذ الله بيده ، ورده إلى مقر عزه . فكذلك ينبغي لكل من قهر وبغي عليه أن يستغيث بالله - تعالى - وإن صبر وغفر ، فإن في الله كفاية ووقاية .
[ ص: 308 ]
وكان أبيض وسيما ، عالما مهيبا ، فيه دين وعدل . ظهر عليه ماشرا فافتصد ونام ، فانفجر فصاده ، وخرج دم كثير ، وضعف ، وخارت قواه .
وكان ذا حظ من تعبد وصيام وتهجد ، لما أن أعيد إلى خلافته قيل : إنه لم يسترد شيئا مما نهب من قصره ، ولا عاقب من أذاه ، واحتسب وصبر . وكان تاركا للملاهي - رحمه الله - وكانت خلافته خمسا وأربعين سنة .
وغسله شيخ الحنابلة
أبو جعفر بن أبي موسى الهاشمي . وعاش ستا وسبعين سنة ، وبويع بعده ابن ابنه
المقتدي بالله .
ووزر للقائم
أبو طالب محمد بن أيوب ،
وأبو الفتح بن دارست وأبو القاسم بن المسلمة وأبو نصر بن جهير .
وكان ملك
بني بويه في خلافته ضعيفا ، بحيث إن
جلال الدولة باع من ثيابه الملبوسة
ببغداد ، وقل ما بيده ، وخلت داره من حاجب وفراش ، وقطعت النوبة على بابه لذهاب الطبالين ، وثار عليه جنده ، ثم كاشروا له رحمة ، ثم جرت فتنة
البساسيري ، ثم بدت الدولة السلجوقية ، وأول ما ملكوا
خراسان ، ثم
الجبل ، وعسفوا ونهبوا وقتلوا ، وفعلوا القبائح - وهم
[ ص: 309 ] تركمان . ومات جلال الدولة سنة 435 وله نيف وخمسون سنة ، وكان على ذنوبه يعتقد في الصلحاء ، وخلف أولادا . ودخل
أبو كاليجار بغداد ، وتعاظم ، ولم يرض إلا بضرب الطبل له في أوقات الصلوات الخمس ، وكان جدهم
عضد الدولة - مع علو شأنه - لم تضرب له إلا ثلاثة أوقات . ومات
أبو كاليجار سنة أربعين ، فولي الملك بعده ولده
الملك الرحيم أبو نصر بن السلطان أبي كاليجار بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة .
وفيها غزا
ينال السلجوقي أخو
طغرلبك بجيوشه ، ووغل في
بلاد الروم ، وغنم ما لا يعبر عنه ، وكانت غزوة مشهودة وفتحا مبينا . فهذا هو أول استيلاء
أل سلجوق ملوك
الروم على
الروم ، وفي هذا الحين خطب متولي
القيروان المعز بن باديس للقائم بأمر الله ، وقطع خطبة
العبيدية ، فبعثوا من حاربه ، فتمت فصول طويلة .
وفي سنة 441 عملت
ببغداد مأتم عاشوراء ، فجرت فتنة بين السنة
والشيعة تفوت الوصف من القتل والجراح ، وندب
أبو محمد بن النسوي لشحنكية
بغداد ، فثارت العامة كلهم ، واصطلح السنة
والشيعة ، وتوادوا وصاحوا : متى ولي
ابن النسوي أحرقنا الأسواق ، ونزحنا . وترحم أهل
الكرخ على الصحابة ، وهذا شيء لم يعهد . وكان الرخاء
ببغداد بحيث إنه أبيع
[ ص: 310 ] الكر بسبعة دنانير . ومات صاحب
الموصل معتمد الدولة أبو المنيع . ثم بعد سنة فسد ما بين السنة
والشيعة ، وعملت
الشيعة سورا على
الكرخ ، وكتبوا عليه بالذهب :
محمد وعلي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر . ثم وقع القتال والنهب ، وقويت السنة ، وفعلوا العظائم ، ونبشت قبور ، وأحرقت عظام العوني والناشي والجذوعي ، وقتل مدرس الحنفية
السرخسي ، وعجزت الدولة عنهم . وأخذ
طغرلبك أصبهان ، وجعلها دار ملكه . واقتتل
المغاربة وجيش
مصر ، فقتل من
المغاربة ثلاثون ألفا .
وفي سنة 444 هاجت السنة على أهل
الكرخ ، وأحرقوا ، وقتلوا ، وهلك يومئذ في الزحمة نيف وأربعون نفسا ، أكثرهم نساء نظارة ، وجرت حروب كثيرة بين جيش
خراسان وبين الغز على الملك ، وحاصر
الملك الرحيم nindex.php?page=showalam&ids=13870والبساسيري البصرة ، وأخذها من ولد
nindex.php?page=showalam&ids=12136أبي كاليجار ، ثم استولى عسكر
الملك الرحيم على
شيراز بعد حصار طويل ، وقحط وبلاء ، حتى قيل : لم يبق فيها إلا نحو ألف نفس ، ودور سورها اثنا عشر ألف ذراع ، ولها أحد عشر بابا .
وفي سنة 447 قبض
طغرلبك على
الملك الرحيم ، وانقضت أيام
بني بويه ، وكان فيها دخول
طغرلبك بغداد ، وكان يوما مشهودا بين يديه ثمانية عشر فيلا ، مظهرا أنه يحج ، ويغزو
الشام ومصر ، ويزيل الدولة العبيدية . ومات
[ ص: 311 ] ذخيرة الدين محمد بن الخليفة ولي عهد أبيه ، وخلف ولدا طفلا وهو
المقتدي ، وعاثت جيوش
طغرلبك بالقرى ، بحيث لأبيع الثور بعشرة دراهم ، والحمار بدرهمين . ووقعت الفتنة
ببغداد بين الحنابلة والشافعية . وتزوج الخليفة ببنت
طغرلبك على مائة ألف دينار .
وفي سنة ثمان مبدأ فتنة
البساسيري ، وخطب
بالكوفة وواسط وبعض القرى
nindex.php?page=showalam&ids=15234للمستنصر العبيدي وكان القحط عظيما
بمصر وبالأندلس ، وما عهد قحط ولا وباء مثله
بقرطبة ، حتى بقيت المساجد مغلقة بلا مصل ، وسمي عام الجوع الكبير .
وفي سنة تسع أخذ
طغرلبك الموصل ، وسلمها إلى أخيه
ينال ، وكتب في ألقابه : ملك المشرق والمغرب . وفيها كان الجوع المفرط
ببغداد والفناء ، وكذلك
ببخارى وسمرقند حتى يقال : هلك بما وراء النهر ألف ألف وستمائة ألف .
وفي سنة خمسين أخذ
البساسيري بغداد كما قدمنا ، وخطب لصاحب
[ ص: 312 ] مصر ، فأقبل في أربعمائة فارس في وهن وضعف ومعه
قريش أمير العرب في مائتي فارس بعد أن حاصرا الموصل ، وأخذاها ، وهدما قلعتها . واشتغل
طغرلبك بحرب أخيه ، فمالت العامة إلى
البساسيري لما فعلت بهم الغز ، وفرحت به الرافضة ، فحضر
الهمذاني عند رئيس الرؤساء الوزير ، واستأذنه في الحرب ، وضمن له قتل
البساسيري ، فأذن له . وكان رأي عميد
العراق المطاولة رجاء نجدة
طغرلبك ، فبرز
الهمذاني بالهاشميين والخدم والعوام إلى الحلبة ، فتقهقر
البساسيري ، واستجرهم ، ثم كر عليهم ، فهربوا ، وقتل عدة ، ونهب باب
الأزج ، وأغلق الوزير عليهم ، ولطم
العميد كيف استبد الوزير بالأمر ولا معرفة له بالحرب ؟ فطلب الخليفة
العميد ، وأمره بالقتال على سور الحريم ، فلم يرعهم إلا الصريخ ونهب الحريم ، ودخلوا من باب النوبى ، فركب الخليفة وعلى كتفه البردة ، وبيده السيف ، وحوله عدد ، فرجع نحو
العميد ، فوجده قد استأمن إلى
قريش ، فصعد المنظرة ، فصاح رئيس الرؤساء
بقريش : يا
علم الدين ، إن أمير المؤمنين يستدنيك . فدنا ، فقال : قد أنالك الله رتبة لم ينلها أحد ، أمير المؤمنين يستذم منك على نفسه وأصحابه بذمام الله ورسوله وذمام العرب . قال : نعم . وخلع قلنسوته ، فأعطاها الخليفة ، وأعطى الوزير مخصرته ، فنزلا إليه ، وذهبا معه ، فبعث إليه
البساسيري : أتخالف ما تقرر بيننا ؟ قال : لا . ثم اتفقا على تسليم الوزير ، فلما أتاه ; قال : مرحبا بمهلك الدول . قال : العفو عند القدرة . قال : أنت قدرت فما عفوت ، وركبت القبيح مع أطفالي ، فكيف أعفو وأنا رب سيف ؟ ! وحمل
قريش الخليفة إلى مخيمه ، وسلم زوجته إلى
ابن جردة ، ونهبت دور الخلافة ، فسلم
قريش الخليفة إلى ابن عمه
مهارش بن مجل ، فسار به في هودج إلى الحديثة ، وسار حاشية الخليفة على حمية إلى
طغرلبك ، وشكى الخليفة البرد ، فبعث إليه متولي
الأنبار جبة ولحافا . ولا
[ ص: 313 ] ريب أن الله لطف
بالقائم لدينه .
حكى المحدث
أبو الحسن بن عبد السلام : سمعت الأستاذ
محمد بن علي بن عامر قال : دخلت إلى الخزانة ، فأعطوني عدة قصص ، حتى امتلأ كمي ، فقلت : لو كان الخليفة أخي لضجر مني ، وألقيتها في البركة . وكان
القائم ينظر ، ولم أدر . قال : فأمر بأخذ الرقاع ، فنشرت في الشمس ، ثم وقع على الجميع ، وقال : يا عامي ! لم فعلت هذا ؟ قال : فاعتذرت ، فقال : ما أطلقنا شيئا من أموالنا بل نحن خزانهم .
نعم ، وأحسن
البساسيري السيرة ، ووصل الفقهاء ، ولم يتعصب
للشيعة ، ورتب لأم الخليفة راتبا . ثم بعد أيام أخرج الوزير مقيدا عليه طرطور ، وفي رقبته قلادة جلود وهو يقرأ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قل اللهم مالك الملك فبصق في وجهه
أهل الرفض - فالأمر لله - ثم صلب ، وجعل في فكيه كلوبان ، فمات ليومه وقتلوا
العميد أيضا ، وهو الذي بنى رباط شيخ الشيوخ ثم سار
البساسيري ، فحكم على
البصرة وواسط ، وخطب بها
للمستنصر ، ولكن قطع
المستنصر مكاتبته ، خوفه وزيره
أبو الفرج ابن أخي
الوزير المغربي ، وكان قد هرب من
البساسيري ، فذم أفعاله ، وخوف من عواقبه . وبكل حال فناله من المصريين نحو ألف ألف دينار .
[ ص: 314 ] وفي سنة 454 زوج
القائم بنته
طغرلبك بعد استعفاء وكره ، وغرقت
بغداد ; وبلغ الماء أحدا وعشرين ذراعا .
وفي سنة 456 قبض السلطان
ألب أرسلان على وزيره
عميد الملك الكندري واستوزر
نظام الملك وكان المصاف بالري بين
ألب أرسلان وقرابته
قتلمش فقتل
قتلمش ، وندم السلطان ، وعمل عزاءه ، ثم سار يغزو
الروم . وأنشئت مدينة
بجاية ، بناها
الناصر بن علناس وكانت مرعى للدواب .
وفي سنة ثمان أنشئت نظامية
بغداد ، وسلطن
ألب أرسلان ابنه
ملكشاه وجعله ولي عهده ، وسار إليه
مسلم بن قريش بن بدران صاحب
الموصل فأقطعه هيت وحربا وبنوا على قبر
أبي حنيفة قبة عظيمة .
وفي سنة 461 احترق جامع
دمشق كله ودار السلطنة التي
[ ص: 315 ] بالخضراء ، وذهبت محاسن الجامع وزخرفته التي تضرب بها الأمثال ، من حرب وقع بين جيش
مصر وجيش
العراق .
وفي سنة 62 أقبل طاغية
الروم في جيش لجب ، حتى أناخ بمنبج ، فاستباحها ، وأسرع الكرة للغلاء ، أبيع في عسكره رطل الخبز بدينار ، وكان
بمصر الغلاء المفرط وهي النوبة التي قال فيها صاحب " المرأة " : فخرجت امرأة
بالقاهرة بيدها مد جوهر فقالت : من يأخذه بمد قمح ؟ فما التفت إليها أحد ، فرمته ، وقالت : ما نفعني وقت الحاجة ، فلا أريده . فما كان له من يأخذه ، وكاد الخراب أن يشمل الإقليم ، حتى بيع كلب بخمسة دنانير والهر بثلاثة ، وبلغ ثمن الإردب مائة دينار ، وأكل الناس بعضهم بعضا ، وتشتت أهل
مصر في البلاد .
وفي سنة 63 كانت الملحمة العظمى بين الإسلام
والنصارى .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير : خرج
أرمانوس في مائتي ألف ، وقصد الإسلام ، ووصل إلى بلاد
خلاط . وكان
السلطان ألب أرسلان بخوي فبلغه كثرة العدو ، وهو في خمسة عشر ألف فارس ، فقال : أنا ألتقيهم ، فإن سلمت
[ ص: 316 ] فبنعمة الله ، وإن قتلت
فملكشاه ولي عهدي . فوقعت طلائعه على طلائعهم ، فانكسر العدو ، وأسر مقدمهم ، فلما التقى الجمعان ; بعث السلطان يطلب الهدنة ، فقال
أرمانوس : لا هدنة إلا ببذل
الري . فانزعج السلطان ، فقال له إمامه
أبو نصر : إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على الأديان ، فأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح ، والقهم يوم الجمعة والساعة يكون الخطباء على المنابر يدعون للمجاهدين ، فصلى به ، وبكى السلطان ، وبكى الناس ، ودعا ، وأمنوا ، وقال : من أراد أن ينصرف فلينصرف ، فما ثم سلطان يأمر ولا ينهى ، ورمى القوس ، وسل السيف ، وعقد بيده ذنب فرسه ، وفعل الجند كذلك ، ولبس البياض ، وتحنط ، وقال : إن قتلت فهذا كفني . ثم حمل ، فلما لاطخ العدو ، ترجل ، وعفر وجهه بالتراب ، وأكثر التضرع ، ثم ركب ، وحصل المسلمون في الوسط ، فقتلوا في
الروم كيف شاءوا ، ونزل النصر ، وتطايرت الرءوس ، وأسر ملك
الروم ، وأحضر بين يدي السلطان ، فضربه بالمقرعة ، وقال : ألم أسألك الهدنة ؟ قال : لا توبخ ، وافعل ما تريد . قال : ما كنت تفعل لو أسرتني ؟ قال : أفعل القبيح . قال : فما تظن بي ؟ قال : تقتلني أو تشهرني في بلادك ، والثالثة بعيدة ، أن تعفو ، وتأخذ الأموال . قال : ما عزمت على غيرها ، ففك نفسه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وبكل أسير في مملكته ، فنزله في خيمة ، وخلع عليه ، وبعث له عشرة ألاف دينار يتجهز بها ، وأطلق له عدة بطارقة ، وهادنه خمسين سنة وشيعه ، وأما جيشه ، فملكوا
ميخائيل . ومضى
أرمانوس ، فبلغه ذهاب ملكه ، فترهب ، ولبس الصوف ، وجمع ما قدر عليه من الذهب ، فكان نحو ثلاثمائة ألف دينار ، فبعثها ، واعتذر .
[ ص: 317 ]
وفيها تملك
الشام أتسز الخوارزمي وبدع وأفسد ، وعثر الرعية .
وفي سنة 65 قتل السلطان
ألب أرسلان . وفيها اختلف جيش
مصر ، وتحاربوا مرات ، وقويت
الأتراك ، وقتل خلق من عرب
مصر ، واضمحل
دست المستنصر ، وذاق ذلا وحاجة ، وبالغ في إهانته
ناصر الدولة الحمداني ، وعظم ، وجرت أمور مزعجة .
وفي سنة 66 غرقت
بغداد ، وأقيمت الجمعة في السفن مرتين ، وهلك خلق لا يحصون حتى لقيل : إن الماء بلغ ثلاثين ذراعا . حتى لقال
سبط ابن الجوزي : وانهدمت مائة ألف دار ، وبقيت
بغداد ملقة واحدة .
وفي سنة 67 بعث
المستنصر إلى ساحل
الشام إلى
بدر الجمالي ليغيثه ، فسار من
عكا في البحر زمن الشتاء ، وخاطر ، وهجم
مصر بغتة ، وسماه
المستنصر أمير الجيوش ، فلما كان في الليل ، بعث إلى كل أمير من أعيان الأمراء طائفة أتوه برأسه ، وأخذ أموالهم إلى قصر
المستنصر ، وأضاءت حاله ، وسار إلى
الإسكندرية ، فحاصرها مدة ، وأخذها ، وقتل طائفة استولوا ، وسار إلى
دمياط ، ففعل كذلك ، وسار إلى
الصعيد ، فقتل به في ثلاثة أيام اثني عشر ألفا ، ونهب وبدع ، فتجمعوا له بالصعيد في ستين ألفا من بين فارس وراجل ، فبيتهم ليلا ، فهزمهم ، وقتل خلق كثير ، وغرق مثلهم ، وغنمت أموالهم . ثم التقوا ثانية ، ونصر عليهم ، ووقع
ببغداد حريق لم يسمع بمثله ، وذهب الأموال .
[ ص: 318 ]
ومات
القائم بأمر الله في شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة وبايعوا حفيده ، فنذكره استطرادا :
[ ص: 307 ] الْقَائِمُ
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْقَادِرِ بِاللَّهِ أَحْمَدَ ابْنِ الْأَمِيرِ إِسْحَاقَ بْنِ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ الْمُعْتَضِدِ الْعَبَّاسِيُّ الْبَغْدَادِيُّ
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ .
وَأُمُّهُ أَرْمَنِيَّةٌ تُسَمَّى
بَدْرَ الدُّجَى ، وَقِيلَ :
قَطْرَ النَّدَى . وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ اسْتِطْرَادًا بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِمِائَةٍ ، وَأَنَّهُ كَانَ جَمِيلًا وَسِيمًا أَبْيَضَ بِحُمْرَةٍ ، ذَا دِينٍ وَخَيْرٍ وَبِرٍّ وَعِلْمٍ وَعَدْلٍ ، بُويِعَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ ، وَأَنَّهُ نُكِبَ سَنَةَ خَمْسِينَ فِي كَائِنَةِ
الْبَسَاسِيرِيِّ ، فَفَرَّ إِلَى الْبَرِّيَّةِ فِي ذِمَامِ أَمِيرٍ
لِلْعَرَبِ ، ثُمَّ عَادَ إِلَى خِلَافَتِهِ بَعْدَ عَامٍ بِهِمَّةِ السُّلْطَانِ
طُغْرُلْبَكَ ، وَأُزِيلَتْ خُطْبَةُ خَلِيفَةِ
مِصْرَ الْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ مِنَ
الْعِرَاقِ ، وَقُتِلَ
الْبَسَاسِيرِيُّ . وَلَمَّا أَنْ فَرَّ
الْقَائِمُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ ، رَفَعَ قِصَّةً إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ مُسْتَعْدِيًا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ ، وَنَفَذَ بِهَا إِلَى
الْبَيْتِ الْحَرَامِ ، فَنَفَعَتْ ، وَأَخَذَ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَرَدَّهُ إِلَى مَقَرِّ عِزِّهِ . فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ قُهِرَ وَبُغِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِاللَّهِ - تَعَالَى - وَإِنْ صَبَرَ وَغَفَرَ ، فَإِنَّ فِي اللَّهِ كِفَايَةً وَوِقَايَةً .
[ ص: 308 ]
وَكَانَ أَبْيَضَ وَسِيمًا ، عَالِمًا مَهِيبًا ، فِيهِ دِينٌ وَعَدْلٌ . ظَهَرَ عَلَيْهِ مَاشِرًا فَافْتَصَدَ وَنَامَ ، فَانْفَجَرَ فِصَادُهُ ، وَخَرَجَ دَمٌ كَثِيرٌ ، وَضَعُفَ ، وَخَارَتْ قِوَاهُ .
وَكَانَ ذَا حَظٍّ مِنْ تَعَبُّدٍ وَصِيَامٍ وَتَهَجُّدٍ ، لَمَّا أَنْ أُعِيدَ إِلَى خِلَافَتِهِ قِيلَ : إِنَّهُ لَمْ يَسْتَرِدَّ شَيْئًا مِمَّا نُهِبَ مِنْ قَصْرِهِ ، وَلَا عَاقَبَ مَنْ أَذَاهُ ، وَاحْتَسَبَ وَصَبَرَ . وَكَانَ تَارِكًا لِلْمَلَاهِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً .
وَغَسَّلَهُ شَيْخُ الْحَنَابِلَةِ
أَبُو جَعْفَرِ بْنُ أَبِي مُوسَى الْهَاشِمِيُّ . وَعَاشَ سِتًّا وَسَبْعِينَ سَنَةً ، وَبُويِعَ بَعْدَهُ ابْنُ ابْنِهِ
الْمُقْتَدِي بِاللَّهِ .
وَوَزَرَ لِلْقَائِمِ
أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ ،
وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ دَارَسْتَ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْمَسْلَمَةِ وَأَبُو نَصْرِ بْنُ جَهِيرٍ .
وَكَانَ مُلْكُ
بَنِي بُوَيْهٍ فِي خِلَافَتِهِ ضَعِيفًا ، بِحَيْثُ إِنَّ
جَلَالَ الدَّوْلَةِ بَاعَ مِنْ ثِيَابِهِ الْمَلْبُوسَةِ
بِبَغْدَادَ ، وَقَلَّ مَا بِيَدِهِ ، وَخَلَتْ دَارُهُ مِنْ حَاجِبٍ وَفِرَاشٍ ، وَقُطِعَتِ النَّوْبَةُ عَلَى بَابِهِ لِذَهَابِ الطَّبَّالِينَ ، وَثَارَ عَلَيْهِ جُنْدُهُ ، ثُمَّ كَاشَرُوا لَهُ رَحْمَةً ، ثُمَّ جَرَتْ فِتْنَةُ
الْبَسَاسِيرِيِّ ، ثُمَّ بَدَتِ الدَّوْلَةُ السَّلْجُوقِيَّةُ ، وَأَوَّلُ مَا مَلَكُوا
خُرَاسَانُ ، ثُمَّ
الْجَبَلُ ، وَعَسَفُوا وَنَهَبُوا وَقَتَلُوا ، وَفَعَلُوا الْقَبَائِحَ - وَهُمْ
[ ص: 309 ] تُرْكُمَانٌ . وَمَاتَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ سَنَةَ 435 وَلَهُ نَيِّفٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً ، وَكَانَ عَلَى ذُنُوبِهِ يُعْتَقَدُ فِي الصُّلَحَاءِ ، وَخَلَّفَ أَوْلَادًا . وَدَخَلَ
أَبُو كَالَيْجَارَ بَغْدَادَ ، وَتَعَاظَمَ ، وَلَمْ يَرْضَ إِلَّا بِضَرْبِ الطَّبْلِ لَهُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، وَكَانَ جَدُّهُمْ
عَضُدُ الدَّوْلَةِ - مَعَ عُلُوِّ شَأْنِهِ - لَمْ تُضْرَبْ لَهُ إِلَّا ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ . وَمَاتَ
أَبُو كَالَيْجَارَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ ، فَوَلِيَ الْمُلْكَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ
الْمَلِكُ الرَّحِيمُ أَبُو نَصْرِ بْنُ السُّلْطَانِ أَبِي كَالَيْجَارَ بْنِ سُلْطَانِ الدَّوْلَةِ بْنِ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ بْنِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ .
وَفِيهَا غَزَا
يَنَالُ السَّلْجُوقِيُّ أَخُو
طُغْرُلْبَكَ بِجُيُوشِهِ ، وَوَغَلَ فِي
بِلَادِ الرُّومِ ، وَغَنِمَ مَا لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ ، وَكَانَتْ غَزْوَةً مَشْهُودَةً وَفَتْحًا مُبِينًا . فَهَذَا هُوَ أَوَّلُ اسْتِيلَاءِ
أَلِ سَلْجُوقَ مُلُوكِ
الرُّومِ عَلَى
الرُّومِ ، وَفِي هَذَا الْحِينِ خَطَبَ مُتَوَلِّي
الْقَيْرَوَانِ الْمُعِزُّ بْنُ بَادِيسَ لِلْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ ، وَقَطَعَ خُطْبَةَ
الْعُبَيْدِيَّةِ ، فَبَعَثُوا مَنْ حَارَبَهُ ، فَتَمَّتْ فُصُولٌ طَوِيلَةٌ .
وَفِي سَنَةِ 441 عُمِلَتْ
بِبَغْدَادَ مَأَتِمُ عَاشُورَاءَ ، فَجَرَتْ فِتْنَةٌ بَيْنَ السُّنَّةِ
وَالشِّيعَةِ تَفُوتُ الْوَصْفَ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ ، وَنُدِبَ
أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ النَّسَوِيِّ لِشَحْنَكِيَّةِ
بَغْدَادَ ، فَثَارَتِ الْعَامَّةُ كُلُّهُمْ ، وَاصْطَلَحَ السُّنَّةُ
وَالشِّيعَةُ ، وَتَوَادُّوا وَصَاحُوا : مَتَى وَلِيَ
ابْنُ النَّسَوِيِّ أَحْرَقْنَا الْأَسْوَاقَ ، وَنَزَحْنَا . وَتَرَحَّمَ أَهْلُ
الْكَرْخِ عَلَى الصَّحَابَةِ ، وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يُعْهَدْ . وَكَانَ الرَّخَاءُ
بِبَغْدَادَ بِحَيْثُ إِنَّهُ أُبِيعَ
[ ص: 310 ] الْكُرُّ بِسَبْعَةِ دَنَانِيرَ . وَمَاتَ صَاحِبُ
الْمَوْصِلِ مُعْتَمِدُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْمَنِيعِ . ثُمَّ بَعْدَ سَنَةٍ فَسَدَ مَا بَيْنَ السُّنَّةِ
وَالشِّيعَةِ ، وَعَمِلَتِ
الشِّيعَةُ سُورًا عَلَى
الْكَرْخِ ، وَكَتَبُوا عَلَيْهِ بِالذَّهَبِ :
مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ خَيْرُ الْبَشَرِ ، فَمَنْ أَبَى فَقَدْ كَفَرَ . ثُمَّ وَقَعَ الْقِتَالُ وَالنَّهْبُ ، وَقَوِيَتِ السُّنَّةُ ، وَفَعَلُوا الْعَظَائِمَ ، وَنُبِشَتْ قُبُورٌ ، وَأُحْرِقَتْ عِظَامُ الْعَوْنِيِّ وَالنَّاشِيِّ وَالْجُذُوعِيِّ ، وَقُتِلَ مُدَرِّسُ الْحَنَفِيَّةِ
السَّرَخْسِيُّ ، وَعَجَزَتِ الدَّوْلَةُ عَنْهُمْ . وَأَخَذَ
طُغْرُلْبَكُ أَصْبَهَانَ ، وَجَعَلَهَا دَارَ مُلْكِهِ . وَاقْتَتَلَ
الْمَغَارِبَةُ وَجَيْشُ
مِصْرَ ، فَقُتِلَ مِنَ
الْمَغَارِبَةِ ثَلَاثُونَ أَلْفًا .
وَفِي سَنَةِ 444 هَاجَتِ السُّنَّةُ عَلَى أَهْلِ
الْكَرْخِ ، وَأَحْرَقُوا ، وَقَتَلُوا ، وَهَلَكَ يَوْمَئِذٍ فِي الزَّحْمَةِ نَيِّفٌ وَأَرْبَعُونَ نَفْسًا ، أَكْثَرُهُمْ نِسَاءُ نَظَّارَةَ ، وَجَرَتْ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ بَيْنَ جَيْشِ
خُرَاسَانَ وَبَيْنَ الْغُزِّ عَلَى الْمُلْكِ ، وَحَاصَرَ
الْمَلِكُ الرَّحِيمُ nindex.php?page=showalam&ids=13870وَالْبَسَاسِيرِيُّ الْبَصْرَةَ ، وَأَخَذَهَا مِنْ وَلَدِ
nindex.php?page=showalam&ids=12136أَبِي كَالَيْجَارَ ، ثُمَّ اسْتَوْلَى عَسْكَرُ
الْمَلِكِ الرَّحِيمِ عَلَى
شِيرَازَ بَعْدَ حِصَارٍ طَوِيلٍ ، وَقَحْطٍ وَبَلَاءٍ ، حَتَّى قِيلَ : لَمْ يَبْقَ فِيهَا إِلَّا نَحْوُ أَلْفِ نَفْسٍ ، وَدَوْرُ سُورِهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ ذِرَاعٍ ، وَلَهَا أَحَدَ عَشَرَ بَابًا .
وَفِي سَنَةِ 447 قَبَضَ
طُغْرُلْبَكُ عَلَى
الْمَلِكِ الرَّحِيمِ ، وَانْقَضَتْ أَيَّامُ
بَنِي بُوَيْهٍ ، وَكَانَ فِيهَا دُخُولُ
طُغْرُلْبَكَ بَغْدَادَ ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا بَيْنَ يَدَيْهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فِيلًا ، مُظْهِرًا أَنَّهُ يَحُجُّ ، وَيَغْزُو
الشَّامَ وَمِصْرَ ، وَيُزِيلُ الدَّوْلَةَ الْعُبَيْدِيَّةَ . وَمَاتَ
[ ص: 311 ] ذَخِيرَةُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ الْخَلِيفَةِ وَلِيُّ عَهْدِ أَبِيهِ ، وَخَلَّفَ وَلَدًا طِفْلًا وَهُوَ
الْمُقْتَدِي ، وَعَاثَتْ جُيُوشُ
طُغْرُلْبَكَ بِالْقُرَى ، بِحَيْثُ لَأُبِيعَ الثَّوْرُ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ ، وَالْحِمَارُ بِدِرْهَمَيْنِ . وَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ
بِبَغْدَادَ بَيْنَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ . وَتَزَوَّجَ الْخَلِيفَةُ بِبِنْتِ
طُغْرُلْبَكَ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ .
وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ مَبْدَأُ فِتْنَةِ
الْبَسَاسِيرِيِّ ، وَخَطَبَ
بِالْكُوفَةِ وَوَاسِطَ وَبَعْضِ الْقُرَى
nindex.php?page=showalam&ids=15234لِلْمُسْتَنْصِرِ الْعُبَيْدِيِّ وَكَانَ الْقَحْطُ عَظِيمًا
بِمِصْرَ وَبِالْأَنْدَلُسِ ، وَمَا عُهِدَ قَحْطٌ وَلَا وَبَاءٌ مِثْلُهُ
بِقُرْطُبَةَ ، حَتَّى بَقِيَتِ الْمَسَاجِدُ مُغْلَقَةً بِلَا مُصَلٍّ ، وَسُمِّيَ عَامَ الْجُوعِ الْكَبِيرِ .
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ أَخَذَ
طُغْرُلْبَكُ الْمَوْصِلَ ، وَسَلَّمَهَا إِلَى أَخِيهِ
يَنَالَ ، وَكَتَبَ فِي أَلْقَابِهِ : مَلِكُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ . وَفِيهَا كَانَ الْجُوعُ الْمُفْرِطُ
بِبَغْدَادَ وَالْفَنَاءُ ، وَكَذَلِكَ
بِبُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ حَتَّى يُقَالَ : هَلَكَ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ أَلْفُ أَلْفٍ وَسِتُّمِائَةِ أَلْفٍ .
وَفِي سَنَةِ خَمْسِينَ أَخَذَ
الْبَسَاسِيرِيُّ بَغْدَادَ كَمَا قَدَّمْنَا ، وَخَطَبَ لِصَاحِبِ
[ ص: 312 ] مِصْرَ ، فَأَقْبَلَ فِي أَرْبَعِمِائَةِ فَارِسٍ فِي وَهَنٍ وَضَعْفٍ وَمَعَهُ
قُرَيْشٌ أَمِيرُ الْعَرَبِ فِي مِائَتَيْ فَارِسٍ بَعْدَ أَنْ حَاصَرَا الْمَوْصِلَ ، وَأَخَذَاهَا ، وَهَدَمَا قَلْعَتَهَا . وَاشْتَغَلَ
طُغْرُلْبَكُ بِحَرْبِ أَخِيهِ ، فَمَالَتِ الْعَامَّةُ إِلَى
الْبَسَاسِيرِيِّ لِمَا فَعَلَتْ بِهِمُ الْغَزُّ ، وَفَرِحَتْ بِهِ الرَّافِضَةُ ، فَحَضَرَ
الْهَمَذَانِيُّ عِنْدَ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ الْوَزِيرِ ، وَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْحَرْبِ ، وَضَمِنَ لَهُ قَتْلَ
الْبَسَاسِيرِيِّ ، فَأَذِنَ لَهُ . وَكَانَ رَأْيُ عَمِيدِ
الْعِرَاقِ الْمُطَاوَلَةَ رَجَاءَ نَجْدَةِ
طُغْرُلْبَكَ ، فَبَرَزَ
الْهَمَذَانِيُّ بِالْهَاشِمِيِّينَ وَالْخَدَمِ وَالْعَوَامِّ إِلَى الْحَلْبَةِ ، فَتَقَهْقَرَ
الْبَسَاسِيرِيُّ ، وَاسْتَجَرَّهُمْ ، ثُمَّ كَرَّ عَلَيْهِمْ ، فَهَرَبُوا ، وَقُتِلَ عِدَّةٌ ، وَنُهِبَ بَابُ
الْأَزَجِ ، وَأَغْلَقَ الْوَزِيرُ عَلَيْهِمْ ، وَلَطَمَ
الْعَمِيدَ كَيْفَ اسْتَبَدَّ الْوَزِيرُ بِالْأَمْرِ وَلَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِالْحَرْبِ ؟ فَطَلَبَ الْخَلِيفَةُ
الْعَمِيدَ ، وَأَمَرَهُ بِالْقِتَالِ عَلَى سُورِ الْحَرِيمِ ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا الصَّرِيخُ وَنَهْبُ الْحَرِيمِ ، وَدَخَلُوا مِنْ بَابِ النُّوبِىِّ ، فَرَكِبَ الْخَلِيفَةُ وَعَلَى كَتِفِهِ الْبُرْدَةُ ، وَبِيَدِهِ السَّيْفُ ، وَحَوْلَهُ عَدَدٌ ، فَرَجَعَ نَحْوَ
الْعَمِيدِ ، فَوَجَدَهُ قَدِ اسْتَأْمَنَ إِلَى
قُرَيْشٍ ، فَصَعِدَ الْمَنْظَرَةَ ، فَصَاحَ رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ
بِقُرَيْشٍ : يَا
عَلَمَ الدِّينِ ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَدْنِيكَ . فَدَنَا ، فَقَالَ : قَدْ أَنَالَكَ اللَّهُ رُتْبَةً لَمْ يَنَلْهَا أَحَدٌ ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَذِمُّ مِنْكَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ بِذِمَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَذِمَامِ الْعَرَبِ . قَالَ : نَعَمْ . وَخَلَعَ قَلَنْسُوَتَهُ ، فَأَعْطَاهَا الْخَلِيفَةَ ، وَأَعْطَى الْوَزِيرَ مِخْصَرَتَهُ ، فَنَزَلَا إِلَيْهِ ، وَذَهَبَا مَعَهُ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ
الْبَسَاسِيرِيُّ : أَتُخَالِفُ مَا تَقَرَّرَ بَيْنَنَا ؟ قَالَ : لَا . ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى تَسْلِيمِ الْوَزِيرِ ، فَلَمَّا أَتَاهُ ; قَالَ : مَرْحَبًا بِمُهْلِكِ الدُّوَلِ . قَالَ : الْعَفْوُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ . قَالَ : أَنْتَ قَدَرْتَ فَمَا عَفَوْتَ ، وَرَكِبْتَ الْقَبِيحَ مَعَ أَطْفَالِي ، فَكَيْفَ أَعْفُو وَأَنَا رَبُّ سَيْفٍ ؟ ! وَحَمَلَ
قُرَيْشٌ الْخَلِيفَةَ إِلَى مُخَيَّمِهِ ، وَسَلَّمَ زَوْجَتَهُ إِلَى
ابْنِ جَرْدَةَ ، وَنُهِبَتْ دُورُ الْخِلَافَةِ ، فَسَلَّمَ
قُرَيْشٌ الْخَلِيفَةَ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ
مُهَارِشِ بْنِ مُجَلٍّ ، فَسَارَ بِهِ فِي هَوْدَجٍ إِلَى الْحَدِيثَةِ ، وَسَارَ حَاشِيَةُ الْخَلِيفَةِ عَلَى حَمِيَّةٍ إِلَى
طُغْرُلْبَكَ ، وَشَكَى الْخَلِيفَةُ الْبَرْدَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُتَوَلِّي
الْأنْبَارِ جُبَّةً وَلِحَافًا . وَلَا
[ ص: 313 ] رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ لَطَفَ
بِالْقَائِمِ لِدِينِهِ .
حَكَى الْمُحَدِّثُ
أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : سَمِعْتُ الْأُسْتَاذَ
مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : دَخَلْتُ إِلَى الْخِزَانَةِ ، فَأَعْطَوْنِي عِدَّةَ قِصَصٍ ، حَتَّى امْتَلَأَ كُمِّي ، فَقُلْتُ : لَوْ كَانَ الْخَلِيفَةُ أَخِي لَضَجِرَ مِنِّي ، وَأَلْقَيْتُهَا فِي الْبِرْكَةِ . وَكَانَ
الْقَائِمُ يَنْظُرُ ، وَلَمْ أَدْرِ . قَالَ : فَأَمَرَ بِأَخْذِ الرِّقَاعِ ، فَنُشِرَتْ فِي الشَّمْسِ ، ثُمَّ وَقَّعَ عَلَى الْجَمِيعِ ، وَقَالَ : يَا عَامِّيُّ ! لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : فَاعْتَذَرْتُ ، فَقَالَ : مَا أَطْلَقْنَا شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِنَا بَلْ نَحْنُ خُزَّانُهُمْ .
نَعَمْ ، وَأَحْسَنَ
الْبَسَاسِيرِيُّ السِّيرَةَ ، وَوَصَلَ الْفُقَهَاءَ ، وَلَمْ يَتَعَصَّبْ
لِلشِّيعَةِ ، وَرَتَّبَ لِأُمِّ الْخَلِيفَةِ رَاتِبًا . ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ أَخْرَجَ الْوَزِيرَ مُقَيَّدًا عَلَيْهِ طُرْطُورٌ ، وَفِي رَقَبَتِهِ قِلَادَةُ جُلُودٍ وَهُوَ يَقْرَأُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ فَبَصَقَ فِي وَجْهِهِ
أَهْلُ الرَّفْضِ - فَالْأَمْرُ لِلَّهِ - ثُمَّ صُلِبَ ، وَجُعِلَ فِي فَكَّيْهِ كَلُّوبَانِ ، فَمَاتَ لِيَوْمِهِ وَقَتَلُوا
الْعَمِيدَ أَيْضًا ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى رِبَاطَ شَيْخِ الشُّيُوخِ ثُمَّ سَارَ
الْبَسَاسِيرِيُّ ، فَحَكَمَ عَلَى
الْبَصْرَةِ وَوَاسِطَ ، وَخَطَبَ بِهَا
لِلْمُسْتَنْصِرِ ، وَلَكِنْ قَطَعَ
الْمُسْتَنْصِرُ مُكَاتَبَتَهُ ، خَوَّفَهُ وَزِيرُهُ
أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ أَخِي
الْوَزِيرِ الْمَغْرِبِيِّ ، وَكَانَ قَدْ هَرَبَ مِنَ
الْبَسَاسِيرِيِّ ، فَذَمَّ أَفْعَالَهُ ، وَخَوَّفَ مِنْ عَوَاقِبِهِ . وَبِكُلِّ حَالٍ فَنَالَهُ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ نَحْوُ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ .
[ ص: 314 ] وَفِي سَنَةِ 454 زَوَّجَ
الْقَائِمُ بِنْتَهُ
طُغْرُلْبَكَ بَعْدَ اسْتِعْفَاءٍ وَكُرْهٍ ، وَغَرِقَتْ
بَغْدَادُ ; وَبَلَغَ الْمَاءُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا .
وَفِي سَنَةِ 456 قَبَضَ السُّلْطَانُ
أَلْبُ أَرْسَلَانَ عَلَى وَزِيرِهِ
عَمِيدِ الْمُلْكِ الْكُنْدُرِيِّ وَاسْتَوْزَرَ
نِظَامَ الْمُلْكِ وَكَانَ الْمَصَافُّ بِالرَّيِّ بَيْنَ
أَلْبِ أَرْسَلَانَ وَقَرَابَتِهِ
قُتُلْمِشَ فَقُتِلَ
قُتُلْمِشُ ، وَنَدِمَ السُّلْطَانُ ، وَعَمِلَ عَزَاءَهُ ، ثُمَّ سَارَ يَغْزُو
الرُّومَ . وَأُنْشِئَتْ مَدِينَةُ
بِجَايَةَ ، بَنَاهَا
النَّاصِرُ بْنُ عَلْنَاسَ وَكَانَتْ مَرْعًى لِلدَّوَابِّ .
وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ أُنْشِئَتْ نِظَامِيَّةُ
بَغْدَادَ ، وَسَلْطَنَ
أَلْبُ أَرْسَلَانَ ابْنَهُ
مَلِكْشَاهْ وَجَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ ، وَسَارَ إِلَيْهِ
مُسْلِمُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ بَدْرَانَ صَاحِبُ
الْمَوْصِلِ فَأَقْطَعُهُ هِيتَ وَحَرْبًا وَبَنَوْا عَلَى قَبْرِ
أَبِي حَنِيفَةَ قُبَّةً عَظِيمَةً .
وَفِي سَنَةِ 461 احْتَرَقَ جَامِعُ
دِمَشْقَ كُلُّهُ وَدَارُ السَّلْطَنَةِ الَّتِي
[ ص: 315 ] بِالْخَضْرَاءِ ، وَذَهَبَتْ مَحَاسِنُ الْجَامِعِ وَزَخْرَفَتُهُ الَّتِي تُضْرَبُ بِهَا الْأَمْثَالُ ، مِنْ حَرْبٍ وَقَعَ بَيْنَ جَيْشِ
مِصْرَ وَجَيْشِ
الْعِرَاقِ .
وَفِي سَنَةِ 62 أَقْبَلَ طَاغِيَةُ
الرُّومِ فِي جَيْشٍ لَجِبٍ ، حَتَّى أَنَاخَ بِمَنْبَجَ ، فَاسْتَبَاحَهَا ، وَأَسْرَعَ الْكَرَّةَ لِلْغَلَاءِ ، أُبِيعَ فِي عَسْكَرِهِ رِطْلُ الْخُبْزِ بِدِينَارٍ ، وَكَانَ
بِمِصْرَ الْغَلَاءُ الْمُفْرِطُ وَهِيَ النَّوْبَةُ الَّتِي قَالَ فِيهَا صَاحِبُ " الْمِرْأَةِ " : فَخَرَجَتِ امْرَأَةٌ
بِالْقَاهِرَةِ بِيَدِهَا مُدُّ جَوْهَرٍ فَقَالَتْ : مَنْ يَأْخُذُهُ بِمُدِّ قَمْحٍ ؟ فَمَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا أَحَدٌ ، فَرَمَتْهُ ، وَقَالَتْ : مَا نَفَعَنِي وَقْتَ الْحَاجَةِ ، فَلَا أُرِيدُهُ . فَمَا كَانَ لَهُ مَنْ يَأْخُذُهُ ، وَكَادَ الْخَرَابُ أَنْ يَشْمَلَ الْإِقْلِيمَ ، حَتَّى بِيعَ كَلْبٌ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَالْهِرُّ بِثَلَاثَةٍ ، وَبَلَغَ ثَمَنُ الْإِرْدَبِّ مِائَةَ دِينَارٍ ، وَأَكَلَ النَّاسُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا ، وَتَشَتَّتَ أَهْلُ
مِصْرَ فِي الْبِلَادِ .
وَفِي سَنَةِ 63 كَانَتِ الْمَلْحَمَةُ الْعُظْمَى بَيْنَ الْإِسْلَامِ
وَالنَّصَارَى .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابْنُ الْأَثِيرِ : خَرَجَ
أَرْمَانُوسُ فِي مِائَتَيْ أَلْفٍ ، وَقَصَدَ الْإِسْلَامَ ، وَوَصَلَ إِلَى بِلَادِ
خِلَاطَ . وَكَانَ
السُّلْطَانُ أَلْبُ أَرْسَلَانَ بِخُوَيَّ فَبَلَغَهُ كَثْرَةُ الْعَدُوِّ ، وَهُوَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ ، فَقَالَ : أَنَا أَلْتَقِيهِمْ ، فَإِنْ سَلِمْتُ
[ ص: 316 ] فَبِنِعْمَةِ اللَّهِ ، وَإِنْ قُتِلْتُ
فَمَلِكْشَاهْ وَلِيُّ عَهْدِي . فَوَقَعَتْ طَلَائِعُهُ عَلَى طَلَائِعِهِمْ ، فَانْكَسَرَ الْعَدُوُّ ، وَأُسِرَ مُقَدِّمُهُمْ ، فَلَمَّا الْتَقَى الْجَمْعَانِ ; بَعَثَ السُّلْطَانُ يَطْلُبُ الْهُدْنَةَ ، فَقَالَ
أَرْمَانُوسُ : لَا هُدْنَةَ إِلَّا بِبَذْلِ
الرَّيِّ . فَانْزَعَجَ السُّلْطَانُ ، فَقَالَ لَهُ إِمَامُهُ
أَبُو نَصْرٍ : إِنَّكَ تُقَاتِلُ عَنْ دِينٍ وَعَدَ اللَّهُ بِنَصْرِهِ وَإِظْهَارِهِ عَلَى الْأَدْيَانِ ، فَأَرْجُو أَنَّ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ كَتَبَ بِاسْمِكَ هَذَا الْفَتْحَ ، وَالْقَهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالسَّاعَةَ يَكُونُ الْخُطَبَاءُ عَلَى الْمَنَابِرِ يَدْعُونَ لِلْمُجَاهِدِينَ ، فَصَلَّى بِهِ ، وَبَكَى السُّلْطَانُ ، وَبَكَى النَّاسُ ، وَدَعَا ، وَأَمَّنُوا ، وَقَالَ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ فَلْيَنْصَرِفْ ، فَمَا ثَمَّ سُلْطَانٌ يَأْمُرُ وَلَا يَنْهَى ، وَرَمَى الْقَوْسَ ، وَسَلَّ السَّيْفَ ، وَعَقَدَ بِيَدِهِ ذَنَبَ فَرَسِهِ ، وَفَعَلَ الْجُنْدُ كَذَلِكَ ، وَلَبِسَ الْبَيَاضَ ، وَتَحَنَّطَ ، وَقَالَ : إِنْ قُتِلْتُ فَهَذَا كَفَنِي . ثُمَّ حَمَلَ ، فَلَمَّا لَاطَخَ الْعَدُوَّ ، تَرَجَّلَ ، وَعَفَّرَ وَجْهَهُ بِالتُّرَابِ ، وَأَكْثَرَ التَّضَرُّعَ ، ثُمَّ رَكِبَ ، وَحَصَلَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْوَسَطِ ، فَقَتَلُوا فِي
الرُّومِ كَيْفَ شَاءُوا ، وَنَزَلَ النَّصْرُ ، وَتَطَايَرَتِ الرُّءُوسُ ، وَأُسِرَ مَلِكُ
الرُّومِ ، وَأُحْضِرَ بَيْنَ يَدَيِ السُّلْطَانِ ، فَضَرَبَهُ بِالْمِقْرَعَةِ ، وَقَالَ : أَلَمْ أَسْأَلْكَ الْهُدْنَةَ ؟ قَالَ : لَا تُوَبِّخْ ، وَافْعَلْ مَا تُرِيدُ . قَالَ : مَا كُنْتَ تَفْعَلُ لَوْ أَسَرْتَنِي ؟ قَالَ : أَفْعَلُ الْقَبِيحَ . قَالَ : فَمَا تَظُنُّ بِي ؟ قَالَ : تَقْتُلُنِي أَوْ تُشَهِّرُنِي فِي بِلَادِكَ ، وَالثَّالِثَةُ بَعِيدَةٌ ، أَنْ تَعْفُوَ ، وَتَأْخُذَ الْأَمْوَالَ . قَالَ : مَا عَزَمْتُ عَلَى غَيْرِهَا ، فَفَكَّ نَفْسَهُ بِأَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ وَخَمْسِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ وَبِكُلِّ أَسِيرٍ فِي مَمْلَكَتِهِ ، فَنَزَّلَهُ فِي خَيْمَةٍ ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ ، وَبَعَثَ لَهُ عَشَرَةَ أَلَافِ دِينَارٍ يَتَجَهَّزُ بِهَا ، وَأَطْلَقَ لَهُ عِدَّةَ بَطَارِقَةٍ ، وَهَادَنَهُ خَمْسِينَ سَنَةً وَشَيَّعَهُ ، وَأَمَّا جَيْشُهُ ، فَمَلَّكُوا
مِيخَائِيلَ . وَمَضَى
أَرْمَانُوسُ ، فَبَلَغَهُ ذَهَابُ مُلْكِهِ ، فَتَرَهَّبَ ، وَلَبِسَ الصُّوفَ ، وَجَمَعَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ الذَّهَبِ ، فَكَانَ نَحْوَ ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ ، فَبَعَثَهَا ، وَاعْتَذَرَ .
[ ص: 317 ]
وَفِيهَا تَمَلَّكَ
الشَّامَ أَتْسِزُ الْخُوَارَزْمِيُّ وَبَدَّعَ وَأَفْسَدَ ، وَعَثَّرَ الرَّعِيَّةَ .
وَفِي سَنَةِ 65 قُتِلَ السُّلْطَانُ
أَلْبُ أَرْسَلَانَ . وَفِيهَا اخْتَلَفَ جَيْشُ
مِصْرَ ، وَتَحَارَبُوا مَرَّاتٍ ، وَقَوِيَتِ
الْأَتْرَاكُ ، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنْ عَرَبِ
مِصْرَ ، وَاضْمَحَلَّ
دَسْتُ الْمُسْتَنْصِرِ ، وَذَاقَ ذُلًّا وَحَاجَةً ، وَبَالَغَ فِي إِهَانَتِهِ
نَاصِرُ الدَّوْلَةِ الْحَمْدَانِيُّ ، وَعَظُمَ ، وَجَرَتْ أُمُورٌ مُزْعِجَةٌ .
وَفِي سَنَةِ 66 غَرِقَتْ
بَغْدَادُ ، وَأُقِيمَتِ الْجُمُعَةُ فِي السُّفُنِ مَرَّتَيْنِ ، وَهَلَكَ خَلْقٌ لَا يُحْصَوْنَ حَتَّى لَقِيلَ : إِنَّ الْمَاءَ بَلَغَ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا . حَتَّى لَقَالَ
سِبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ : وَانْهَدَمَتْ مِائَةُ أَلْفِ دَارٍ ، وَبَقِيَتْ
بَغْدَادُ مَلَقَةً وَاحِدَةً .
وَفِي سَنَةِ 67 بَعَثَ
الْمُسْتَنْصِرُ إِلَى سَاحِلِ
الشَّامِ إِلَى
بَدْرٍ الْجَمَالِيِّ لِيُغِيثَهُ ، فَسَارَ مِنْ
عَكَّا فِي الْبَحْرِ زَمَنَ الشِّتَاءِ ، وَخَاطَرَ ، وَهَجَمَ
مِصْرَ بَغْتَةً ، وَسَمَّاهُ
الْمُسْتَنْصِرُ أَمِيرَ الْجُيُوشِ ، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ ، بَعَثَ إِلَى كُلِّ أَمِيرٍ مِنْ أَعْيَانِ الْأُمَرَاءِ طَائِفَةً أَتَوْهُ بِرَأْسِهِ ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ إِلَى قَصْرِ
الْمُسْتَنْصِرِ ، وَأَضَاءَتْ حَالُهُ ، وَسَارَ إِلَى
الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ، فَحَاصَرَهَا مُدَّةً ، وَأَخَذَهَا ، وَقَتَلَ طَائِفَةً اسْتَوْلَوْا ، وَسَارَ إِلَى
دِمْيَاطَ ، فَفَعَلَ كَذَلِكَ ، وَسَارَ إِلَى
الصَّعِيدِ ، فَقَتَلَ بِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ، وَنَهَبَ وَبَدَّعَ ، فَتَجَمَّعُوا لَهُ بِالصَّعِيدِ فِي سِتِّينَ أَلْفًا مِنْ بَيْنِ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ ، فَبَيَّتَهُمْ لَيْلًا ، فَهَزَمَهُمْ ، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، وَغَرِقَ مِثْلُهُمْ ، وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهُمْ . ثُمَّ الْتَقَوْا ثَانِيَةً ، وَنُصِرَ عَلَيْهِمْ ، وَوَقَعَ
بِبَغْدَادَ حَرِيقٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ ، وَذَهَبَ الْأَمْوَالُ .
[ ص: 318 ]
وَمَاتَ
الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَبَايَعُوا حَفِيدَهُ ، فَنَذْكُرُهُ اسْتِطْرَادًا :