[ ص: 488 ] بنان الحمال
الإمام المحدث الزاهد ، شيخ الإسلام أبو الحسن ، بنان بن محمد بن حمدان بن سعيد الواسطي ، نزيل مصر ، ومن يضرب بعبادته المثل .
حدث عن : الحسن بن محمد الزعفراني ، والحسن بن عرفة ، وحميد بن الربيع ، وطائفة .
حدث عنه : ابن يونس ، والحسن بن رشيق ، والزبير بن عبد الواحد الأسداباذي ، وأبو بكر بن المقرئ ، وجماعة .
وثقه أبو سعيد بن يونس .
صحب الجنيد وغيره . وقيل : إنه هو أستاذ الحسين أبي النوري ، وهو رفيقه ومن أقرانه .
وكان كبير القدر ، لا يقبل من الدولة شيئا ، وله جلالة عجيبة عند الخاص والعام .
[ ص: 489 ] وقد امتحن في ذات الله ، فصبر ، وارتفع شأنه ، فنقل أبو عبد الرحمن السلمي في " محن الصوفية " أن بنانا الحمال قام إلى وزير خمارويه -صاحب مصر - وكان نصرانيا ، فأنزله عن مركوبه وقال : لا تركب الخيل وعير ، كما هو مأخوذ عليكم في الذمة . فأمر خمارويه بأن يؤخذ ويوضع بين يدي سبع ، فطرح ، فبقي ليلة ، ثم جاءوا والسبع يلحسه ، وهو مستقبل القبلة ، فأطلقه خمارويه واعتذر إليه .
قال الحسين بن أحمد الرازي : سمعت أبا علي الروذباري يقول : كان سبب دخولي مصر حكاية بنان الحمال ، وذلك أنه أمر بالمعروف فأمر به أن يلقى بين يدي سبع ، فجعل السبع يشمه ولا يضره ، فلما أخرج من بين يدي السبع قيل له : ما الذي كان في قلبك حيث شمك؟ قال : كنت أتفكر في سؤر السباع ولعابها . ابن طولون
قال : ثم ضرب سبع درر ، فقال له- يعني للملك- حبسك الله بكل درة سنة ، فحبس سبع سنين ، كذا قال . وما علمت ابن طولون خمارويه ولا أباه حبسا . وذكر إبراهيم بن عبد الرحمن : أن القاضي أبا عبيد الله احتال على بنان حتى ضربه سبع درر ، فقال : حبسك الله بكل درة سنة ، فحبسه سبع سنين . ابن طولون
قال الزبير بن عبد الواحد : سمعت بنانا يقول : الحر عبد ما طمع ، والعبد حر ما قنع .
ومن كلام بنان : متى يفلح من يسره ما يضره؟! .
وقال : رؤية الأسباب على الدوام قاطعة عن مشاهدة المسبب ، والإعراض عن الأسباب جملة يؤدي بصاحبه إلى ركوب الباطل .
يروى أنه كان لرجل على آخر دين مائة دينار ، فطلب الرجل الوثيقة ، [ ص: 490 ] فلم يجدها ، فجاء إلى بنان ليدعو له ، فقال : أنا رجل قد كبرت ، وأحب الحلواء ، اذهب اشتر لي من عند دار فرج رطل حلواء حتى أدعو لك . ففعل الرجل وجاء ، فقال بنان : افتح ورقة الحلواء ، ففتح ، فإذا هي الوثيقة ، فقال : هي وثيقتي . قال : خذها ، وأطعم الحلواء صبيانك .
قال ابن يونس : توفي بنان في رمضان سنة ست عشرة وثلاثمائة وخرج في جنازته أكثر أهل مصر ، وكان شيئا عجبا من ازدحام الخلائق .