[ ص: 166 ] فصل ( على من ومتى يجوز الإنكار ؟ ) .
كذا ذكره ولا إنكار فيما يسوغ فيه خلاف من الفروع على من اجتهد فيه أو قلد مجتهدا فيه والأصحاب وصرحوا بأنه لا يجوز ، ومثلوه بشرب يسير النبيذ والتزوج بغير ولي ، ومثله بعضهم بأكل متروك التسمية . وهذا الكلام منهم مع قولهم يحد شارب النبيذ متأولا ومقلدا أعجب لأن الإنكار يكون وعظا وأمرا ونهيا وتعزيرا وتأديبا وغايته الحد ، فكيف يحد ولا ينكر عليه أم كيف يفسق على رواية ولا ينكر على فاسق ؟ القاضي
وذكر في المغني أنه لا يملك منع امرأته الذمية من يسير الخمر على نص لاعتقادها إباحته ثم ذكر تخريجا من أحد الوجهين في أكل الثوم أنه يملك منعها لكراهة رائحته قال وعلى هذا الحكم لو أحمد هل له منعها على وجهين . تزوج امرأة تعتقد إباحة يسير النبيذ
وذكر أيضا في مسألة مفردة أنه لا ينبغي لأحد أن ينكر على غيره العمل بمذهبه فإنه لا إنكار على المجتهدات . انتهى كلامه .
وقد قال في رواية أحمد المروذي لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه . ولا يشدد عليهم وقال مهنا سمعت يقول من أراد أن يشرب هذا النبيذ يتبع فيه شرب من شربه فليشربه وحده . أحمد
وعن [ ص: 167 ] رواية أخرى بخلاف ذلك قال في رواية أحمد في الرجل الميموني ينهاهم ويعظهم . يمر بالقوم وهم يلعبون بالشطرنج
وقال أبو داود سمعت سئل عن رجل مر بقوم يلعبون بالشطرنج فنهاهم فلم ينتهوا فأخذ الشطرنج فرمى به فقال قد أحسن وقال في رواية أحمد أبي طالب فيمن يمر بالقوم يلعبون بالشطرنج يقلبها عليهم إلا أن يغطوها ويستروها . وصلى يوما إلى جنب رجل لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال يا هذا أقم صلبك وأحسن صلاتك ، نقله أحمد إسحاق بن إبراهيم .
وقال المروذي قلت دخلت على رجل وكان أبو عبد الله بعث بي إليه بشيء فأتى بمكحلة رأسها مفضض فقطعتها فأعجبه ذلك وتبسم وأنكر على صاحبها وفي التبصرة لأبي عبد الله للحلواني لمن تزوج بلا ولي ، أو أكل متروك التسمية ، أو تزوج بنته من زنا أو أم من زنى بها احتمال ترد شهادته ، وهذا ينبغي أن يكون فيما قوي دليله أو كان القول خلاف خبر واحد ، وإذا نقض الحكم لمخالفته خبر الواحد أو إجماعا ظنيا أو قياسا جليا فما نحن فيه مثله وأولى ، وحمل القاضي رواية وابن عقيل على أن الفاعل ليس من أهل الاجتهاد ولا هو مقلد لمن يرى ذلك . الميموني
وعن رواية ثالثة لا ينكر على المجتهد بل على المقلد فقال أحمد إسحاق بن إبراهيم عن الإمام أنه سئل عن أحمد قال : إذا كان متأولا أرجو أن لا يكون به بأس وإن كان جاهلا ينهى ويقال له [ ص: 168 ] إن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عنها . الصلاة في جلود الثعالب
وفي المسألة قول رابع قال في الأحكام السلطانية : ما ضعف الخلاف فيه وكان ذريعة إلى محظور متفق عليه كربا النقد الخلاف فيه ضعيف وهو ذريعة إلى ربا النساء المتفق على تحريمه وكنكاح المتعة وربما صارت ذريعة إلى استباحة الزنا فيدخل في إنكار المحتسب بحكم ولايته .
ثم ذكر كلام القاضي أبي إسحاق في نكاح المتعة ، وقد ذكر وابن بطة وغيره ما يدل على أنه يسوغ التقليد في نكاح المتعة . أبو الخطاب
وقال في الرعاية في نكاح المتعة ويكره تقليد من يفتي بها وقال في الأحكام السلطانية في موضع كالخمر وليس في إراقته غرم ، وقد تقدم كلامه في رواية آخر المجاهرة بإظهار النبيذ مهنا ، وذكر ابن الجوزي أنه ينكر على من يسيء في صلاته بترك الطمأنينة في الركوع والسجود مع أنها من مسائل الخلاف وقال يجب أن يأمره ويعظه . الشيخ عبد القادر
قال ابن الجوزي واشتغال المعتكف بإنكاره هذه الأشياء وتعريفها أفضل من نافلة يقتصر عليها ، وذكر أيضا في المنكرات قال : فإن فعل ذلك مالكي لم ينكر عليه بل يتلطف به ويقول له يمكنك أن لا تؤذيني بتفويت الطهارة علي . [ ص: 169 ] غمس اليد والأواني النجسة في المياه القليلة
وفي المسألة قول خامس قال الشيخ تقي الدين والصواب ما عليه جماهير المسلمين أن كل مسكر خمر يجلد شاربه ولو شرب قطرة واحدة لتداو أو غير تداو وقال في كتاب " بطلان التحليل " قولهم ومسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل أما الأول فإن كان القول يخالف سنة أو إجماعا قديما وجب إنكاره وفاقا وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء .
وأما العمل إذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضا بحسب الإنكار كما ذكرنا من حديث شارب النبيذ المختلف فيه وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف سنة وإن كان قد اتبع بعض العلماء وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ فلا ينكر على من عمل بها مجتهدا أو مقلدا .
وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد كما اعتقد ذلك طوائف من الناس الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل بها وجوبا ظاهرا مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ إذا عدم ذلك الاجتهاد لتعارض الأدلة المقاربة أو لخفاء الأدلة فيها وليس في ذكر كون المسألة قطعية طعن على من خالفها من المجتهدين كسائر المسائل التي اختلف فيها السلف وقد تيقنا صحة أحد القولين فيها مثل كون الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بوضع الحمل ، وأن الجماع المجرد عن إنزال يوجب الغسل ، وأن ربا الفضل والمتعة حرام وذكر مسائل كثيرة .
وقال أيضا في مكان آخر : إن من أصر على ترك الجماعة ينكر عليه ويقاتل أيضا في أحد الوجهين عند من استحبها ، وأما من أوجبها فإنه عنده يقاتل ويفسق إذا قام الدليل عنده المبيح للمقاتلة والتفسيق كالبغاة بعد زوال الشبهة .
وقال أيضا : يعيد من ترك الطمأنينة ومن لم يوقت المسح نص عليه بخلاف متأول لم يتوضأ من لحم الإبل فإنه على روايتين لتعارض الأدلة والآثار فيه . [ ص: 170 ]
وذكر الشيخ محيي الدين النووي أن المختلف فيه لا إنكار فيه قال لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق وذكر غيره من الشافعية في المسألة وجهين وذكر مسألة الإنكار على من كشف فخذه وأن فيه الوجهين .