الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
فصل ( مراتب إنكار المنكر ) .

وهو فرض كفاية على من لم يعين عليه وسواء في ذلك الإمام والحاكم والعالم والجاهل والعدل والفاسق وقال قوم لا يجوز لفاسق الإنكار وقال آخرون لا يجوز الإنكار إلا لمن أذن له ولي الأمر وللمميز الإنكار ويثاب عليه لكن لا يجب .

وقال ابن الجوزي الكافر ممنوع من إنكار المنكر لما فيه من السلطة والعز وأعلاه باليد ثم باللسان ، ثم بالقلب .

وفي الحديث الصحيح { ليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة خردل } قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : مراده أنه لم يبق بعد هذا الإنكار ما يدخل في الإيمان حتى يفعله المؤمن بل الإنكار بالقلب آخر حدود الإيمان ، ليس مراده أن من لم ينكر لم يكن معه من الإيمان حبة خردل ولهذا قال : " ليس وراء ذلك " فجعل المؤمنين ثلاث طبقات فكل منهم فعل الإيمان الذي يجب عليه قال وعلم بذلك أن الناس يتفاضلون في الإيمان الواجب عليهم بحسب استطاعتهم مع بلوغ الخطاب إليهم كلهم . انتهى كلامه .

وكذا قال في الغنية بعد الخبر المذكور ويعني أضعف فعل أهل الإيمان قال المروذي قلت لأبي عبد الله كيف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [ ص: 162 ] قال : باليد وباللسان وبالقلب هو أضعف قلت : كيف باليد ؟ قال : يفرق بينهم . ورأيت أبا عبد الله مر على صبيان الكتاب يقتتلون ففرق بينهم وقال في رواية صالح التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح .

قال القاضي : وظاهر هذا يقتضي جواز الإنكار باليد إذا لم يفض إلى القتل والقتال قال القاضي : ويجب فعل الكراهة للمنكر كما يجب إنكاره . وعند المعتزلة إنما يجب أن لا يفعل الإرادة لأنه قد يخلو المكلف من فعل الإرادة له والكراهة ، وهذا غلط لأنه لا يصح أن يخلو من فعل الضدين ، ولأن الشارع أوجب عليه فعل الكراهة بقلبه .

وعلى الناس إعانة المنكر ونصره على الإنكار وما اختص علمه بالعلماء اختص إنكاره بهم أو بمن يأمرونه به من الولاة والعوام ومن ولاه السلطان الحسبة تعين عليه فعل ذلك وله في ذلك ما ليس لغيره كسماع البينة . وذكر القاضي في الأحكام السلطانية أنه ليس له سماع البينة .

وإن دعا الإمام العامة إلى شيء وأشكل عليهم لزمهم سؤال العلماء فإن أفتوا بوجوبه قاموا به ، وإن أخبروا بتحريمه امتنعوا منه ، وإن قالوا هو مختلف فيه .

وقال الإمام : يجب ، لزمهم طاعته كما تجب طاعته في الحكم ، ذكره القاضي . وهل يسقط الإثم عمن لم يرض بالمنكر وسخط الإنكار ذكر ابن عقيل أنه رأي لبعض الفقهاء أنه لا يسقط ، ثم ذكر احتمالا أنه يسقط أنه ظاهر قول أصحابنا رحمهم الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية