الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : كانت غزوة الخندق- كما قال ابن إسحاق ومتابعوه- في شوال . وقال محمد بن عمر وابن سعد : في ذي القعدة . وقال الجمهور : سنة خمس . قال الذهبي : هو المقطوع به . وقال ابن القيم : إنه الأصح ، وقال الحافظ : هو المعتمد . وروى ابن عقبة عن الزهري والإمام أحمد عن الإمام مالك : أنها كانت سنة أربع ، وصححه النووي في الروضة .

                                                                                                                                                                                                                              قالوا : وهو عجيب ، لأنه صحح أن قريظة كانت في الخامسة ، وكانت عقب الخندق ، ومال البخاري إلى قول الزهري ، وقواه بما رواه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة ، فلم يجزه ، ثم عرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه ، فيكون بينهما سنة واحدة . وكان سنة ثلاث ، فيكون الخندق سنة أربع .

                                                                                                                                                                                                                              قال . . الحافظ وغيره : ولا حجة إذا ثبت أنها كانت سنة خمس ، لاحتمال أن يكون ابن [ ص: 397 ]

                                                                                                                                                                                                                              عمر
                                                                                                                                                                                                                              في أحد كان أول ما طعن في الرابعة عشرة ، وكان في الأحزاب قد استكمل الخمسة عشر . وبهذا أجاب البيهقي .

                                                                                                                                                                                                                              ويؤيده قول ابن إسحاق : إن أبا سفيان قال للمسلمين لما رجع من أحد : موعدكم العام المقبل ببدر . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنة المقبلة إلى بدر ، وتأخر مجيء أبي سفيان تلك السنة للجدب الذي كان حينئذ . كما تقدم بيان ذلك . ووافق ابن إسحاق على ذلك غيره من أهل المغازي .

                                                                                                                                                                                                                              وقد بين البيهقي رحمه الله تعالى سبب هذا الاختلاف ، وهو أن جماعة من السلف كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة ، ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول ، وعلى ذلك جرى الحافظ يعقوب بن سفيان في تاريخه ، فذكر أن غزوة بدر الكبرى كانت في السنة الأولى ، وأن غزوة أحد كانت في الثانية ، وأن الخندق كانت في الرابعة ، وهذا عمل صحيح على ذلك البناء ، لكنه بناء واه مخالف لما عليه الجمهور من جعل التأريخ من المحرم سنة الهجرة ، وعلى ذلك تكون بدر في الثانية ، وأحد في الثالثة ، والخندق في الخامسة وهو المعتمد .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : اختلف في مدة إقامة المشركين على الخندق ، فقال سعيد بن المسيب في رواية يحيى بن سعيد : أقاموا أربعا وعشرين ليلة ، وقال في رواية الزهري : بضع عشرة ليلة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن عمر عن جابر بن عبد الله أنها كانت عشرين يوما .

                                                                                                                                                                                                                              وقال محمد بن عمر : أثبت الأقاويل أنها كانت خمسة عشر يوما ، وجزم به ابن سعد والبلاذري والنووي في الروضة والقطب وقال في زاد المعاد : شهرا ، وقال ابن إسحاق : بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث :

                                                                                                                                                                                                                              قوله صلى الله عليه وسلم : «سلمان منا أهل البيت» ،

                                                                                                                                                                                                                              بنصب أهل على الاختصاص ، أو على إضمار أعني ، وأما الخفض على البدل فلم يره سيبويه جائزا من ضمير المتكلم ولا من ضمير المخاطب ، لأنه في غاية البيان ، وأجازه الأخفش .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع :

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري عن جابر رضي الله عنه : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال يوم الأحزاب :

                                                                                                                                                                                                                              «من يأتينا بخبر القوم ؟ » قال الزبير : أنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن لكل نبي حواريا ، وإن حواري الزبير»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              قال في العيون : كذا في الخبر ، والمشهور أن الذي توجه ليأتي بخبر القوم حذيفة بن [ ص: 398 ] اليمان ، كما رويناه عن طريق ابن إسحاق وغيره .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ رحمه الله : وهذا الحصر مردود ، فإن القصة التي ذهب الزبير لكشفها غير القصة التي ذهب حذيفة لكشفها ، فقصة الزبير كانت لكشف خبر بني قريظة : هل نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما صرح بذلك محمد بن عمر ، وقصة حذيفة كانت لما اشتد الحصار على المسلمين بالخندق ، وتمالت عليهم الطوائف ، ووقع بين الأحزاب الاختلاف ، وحذرت كل طائفة من الأخرى ، وأرسل الله تعالى عليهم الريح ، فندب النبي صلى الله عليه وسلم ، من يأتيه بخبر قريش ، فانتدب حذيفة ، كما تقدم بيان ذلك في القصة .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس :

                                                                                                                                                                                                                              قوله صلى الله عليه وسلم : «اللهم إن العيش عيش الآخرة»

                                                                                                                                                                                                                              إلخ ، قال ابن بطال : هو مقول ابن رواحة تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ولو كان ذلك من لفظه لم يكن بذلك شاعرا لعدم القصد ، كما سيأتي تحقيقه في الخصائص .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : «فاغفر للمهاجرين والأنصار» ، وفي رواية بتقديم الأنصار على المهاجرين ، وكلاهما غير موزون ، ولعله صلى الله عليه وسلم تعمد ذلك ، وقيل . أصله «فاغفر للأنصار والمهاجرة» بجعل الهمزة همزة وصل . وقوله : «والعن عضلا والقارة» إلخ غير موزون ، ولعله كان :

                                                                                                                                                                                                                              والعن إلهي عضلا والقارة وقوله : «إن الألى قد بغوا علينا» ليس بموزون ، وتحريره :

                                                                                                                                                                                                                              إن الذين قد بغوا علينا فذكر الراوي «الألى» بدل «الذين» ، قد قاله الحافظ . وقال ابن التين : والأصل : «إن الألى هم قد بغوا علينا» .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : ظاهر قول البراء : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كثير الشعر : إنه كان كثير شعر الصدر وليس كذلك ، فإن في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان دقيق المسربة ، أي الشعر الذي في الصدر إلى البطن ، فيمكن الجمع بأنه كان مع دقته كثيرا ، أي لم يكن منتشرا ، بل كان مستطيلا ، وتقدم ذلك مبسوطا في أبواب صفاته .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : سبق في القصة عن ابن إسحاق وغيره وصف حسان بن ثابت رضي الله عنه بالجبن ، وأنه روي عن عروة بسند صحيح ، وأنه روي عن أبيه الزبير ، وصرح بذلك خلائق .

                                                                                                                                                                                                                              وأنكر ذلك أبو عمر وجماعة ، واحتجوا لذلك بأن ما ذكره ابن إسحاق منقطع الإسناد ، وبأنه لو صح لهجى به حسان ، فإنه كان يهاجي الشعراء كضرار بن الخطاب ، وابن الزبعرى ، وغيرهما . [ ص: 399 ]

                                                                                                                                                                                                                              وكانوا يناقضونه ، ويردونه ، عليه ، فما عيره أحد بجبنه ، ولا وسمه به ، فدل على ضعف حديث ابن إسحاق .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : لفظ ابن إسحاق في رواية البكائي : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه ، وقال في رواية يونس ، كما رواه الحاكم عن يونس ، عنه قال : حدثني هشام عن أبيه أي عروة عن صفية ، قال عروة : سمعتها تقول : أنا أول امرأة قتلت رجلا ، كنت في فارع حسان بن ثابت ، فكان حسان معنا في النساء والصبيان ، فإن كان عروة أدرك جدته فسند القصة جيد قوي ، وتقدم لها طرف في القصة .

                                                                                                                                                                                                                              ولعل حسان- كما في الروض- أن يكون معتلا في ذلك اليوم بعلة منعته من شهود القتال . قال : وهذا أولى ما يؤول عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الكلبي : كان حسان بن ثابت لسنا شجاعا ، فأصابته علة أحدثت فيه الجبن ، فكان لا ينظر إلى قتال ولا يشهده .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن سراج : إن سكوت الشعراء عن تعييره بذلك من علامة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكون حسان شاعره .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن : في الصحيح أن الذين أكلوا الطعام عند جابر في الخندق كانوا ألفا .

                                                                                                                                                                                                                              ووقع عند أبي نعيم في مستخرجه كما نرى تسعمائة أو ثمانمائة .

                                                                                                                                                                                                                              وعند الإسماعيلي : كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة ، وفي رواية ابن الزبير : كانوا ثلاثمائة .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : والحكم للزائد لمزيد علمه ، ولأن القصة متحدة .

                                                                                                                                                                                                                              التاسع : الصحيح المشهور أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في غزوة الخندق ثلاثة آلاف ، ونقل في زاد المعاد عن ابن إسحاق أنهم كانوا سبعمائة . قلت : ولا دليل في قول جابر في قصة الطعام : «وكانوا ألفا» لأنه أراد الآكلين فقط لا عدة من حضر الخندق ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              العاشر : دلهم النبي صلى الله عليه وسلم بعرضه إعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة على جواز إعطاء المال للعدو : إذا كان فيه مصلحة للمسلمين وحياطة لهم .

                                                                                                                                                                                                                              الحادي عشر : في شرح غريب القصة :

                                                                                                                                                                                                                              الخندق- بفتح الخاء المعجمة وسكون النون- : حفير حول المدينة ، وهي في شامي المدينة من طرف الحرة الشرقية إلى طرف الحرة الغربية . وذكر الطبري أن أول من خندق الخنادق منو شهر بن إيرج ، وإلى رأس ستين سنة من ملكه بعث موسى عليه السلام . ومنو شهر . [ ص: 400 ]

                                                                                                                                                                                                                              في نسخة صحيحة من الروض والعيون قرئتا على مصنفيهما- بميم مفتوحة فنون فواو فشين معجمة فهاء ساكنة فراء . وإبيرج- بهمزة في أوله مكسورة- وفي نسخة الروض : فتحتية فراء فجيم .

                                                                                                                                                                                                                              الأحزاب : جمع حزب ، وهو الطائفة من الناس . وتحزب القوم : صاروا أحزابا .

                                                                                                                                                                                                                              خيبر : يأتي الكلام عليها في غزوتها .

                                                                                                                                                                                                                              يهود : لا ينصرف للعلمية والتأنيث .

                                                                                                                                                                                                                              أهل عدد (بفتح العين المهملة ) .

                                                                                                                                                                                                                              الجلد- بفتح الجيم واللام- : القوة والشدة .

                                                                                                                                                                                                                              البيوت جمع بيت ، وهو هنا الشرف .

                                                                                                                                                                                                                              الأحساب جمع حسب- بفتحتين- : ما يعد من المآثر . وتقدم الكلام عليه مبسوطا .

                                                                                                                                                                                                                              استأصله : أهلكه .

                                                                                                                                                                                                                              نحالفكم- بالحاء المهملة- : نعاقدكم .

                                                                                                                                                                                                                              نشطت (بنون فشين معجمة فطاء مهملة ) .

                                                                                                                                                                                                                              الأحقاد جمع حقد : الانطواء على العداوة والبغضاء .

                                                                                                                                                                                                                              مرحبا : أي أتيت رحبا وسعة ، وقال الفراء : منصوب على المصدر .

                                                                                                                                                                                                                              أهلا : أي أتيت أهلا ، فابسط نفسك واستأنس ولا تستوحش .

                                                                                                                                                                                                                              الكرم تقدم شرحها .

                                                                                                                                                                                                                              الجبت : الصنم ، والكاهن ، والساحر . وقال الراغب : يقال لكل ما عبد من دون الله جبت . وقال الفراء : المراد بالجبت هنا حيي بن أخطب .

                                                                                                                                                                                                                              الطاغوت- يذكر ويؤنث- وقال الفراء : المراد به هنا كعب بن الأشرف .

                                                                                                                                                                                                                              النقير- بالنون والقاف- : النقرة في ظهر النواة منها تنبت النخلة .

                                                                                                                                                                                                                              صد عنه- بفتح الصاد وتشديد الدال- : أعرض عنه .

                                                                                                                                                                                                                              الأحابيش : سبق الكلام عليها في غزوة أحد .

                                                                                                                                                                                                                              دار الندوة ومر الظهران : تقدم الكلام عليهما .

                                                                                                                                                                                                                              عناج الأمر- بعين مهملة مكسورة فنون مخففة فألف فجيم- أي ملاكه- بكسر الميم وفتحها- وهو ما يقوم به ، ومعناه أنه كان صاحبهم ومدبر أمرهم والقائم بشأنهم ، كما يحمل [ ص: 401 ]

                                                                                                                                                                                                                              ثقل الدلو عناجها ، وهو الحبل الذي يشد تحت الدلو ، ثم يشد في العروة ، ليكون عونا لعراها فلا ينقطع .

                                                                                                                                                                                                                              خزاعة (بضم الخاء المعجمة فزاي ) .

                                                                                                                                                                                                                              يبرز : يظهر .

                                                                                                                                                                                                                              فارس : جيل من الناس ، وإقليم معروف .

                                                                                                                                                                                                                              الثبات : الإقامة .

                                                                                                                                                                                                                              الجد في الأمر : - بالفتح- الاجتهاد .

                                                                                                                                                                                                                              ارتاد الرجل الشيء : طلبه وأراده .

                                                                                                                                                                                                                              سلع- بفتح السين المهملة وسكون اللام وبالعين المهملة- : جبل بالمدينة .

                                                                                                                                                                                                                              المذاد- بميم مفتوحة فذال معجمة فألف فدال مهملة- من ذاده إذا طرده .

                                                                                                                                                                                                                              أطم : لبني حرام غربي مساجد الفتح .

                                                                                                                                                                                                                              ذباب- بذال معجمة وموحدتين كغراب وكتاب- : جبل بالمدينة .

                                                                                                                                                                                                                              راتج- براء فألف ففوقية مكسورة فجيم- : أطم ، سميت به الناحية .

                                                                                                                                                                                                                              دنا : قرب .

                                                                                                                                                                                                                              المساحي : جمع مسحاة- بكسر الميم وبالسين المهملتين- وهي المجرفة من الحديد . والميم زائدة لأنه من السحو ، وهو الكشف والإزالة .

                                                                                                                                                                                                                              الكرازين- بكاف فراء فألف فزاي فتحتية جمع كرزين بالكسر- الفأس .

                                                                                                                                                                                                                              المكاتل- بالفوقية- جمع مكتل بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقية .

                                                                                                                                                                                                                              الشيخان- تثنية شيخ ضد شاب- أطمان .

                                                                                                                                                                                                                              تنافس في كذا : رغب فيه وتسابق .

                                                                                                                                                                                                                              لبط به- بلام مضمومة فموحدة مكسورة فطاء مهملة- : صرع فجأة من عين أو علة وهو يلتوي .

                                                                                                                                                                                                                              يكفأ الإناء- بالهمز- يقلبه ويميله .

                                                                                                                                                                                                                              عقال- بالكسر- : الحبل الذي يعقل به البعير يمنعه من الشرود .

                                                                                                                                                                                                                              العكن (بضم العين المهملة وفتح الكاف ) والأعكان كلاهما جمع عكنة- بسكون الكاف- : وهي الطي في البطن من السمن . [ ص: 402 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية