الباب التاسع فيما روي أنه- صلى الله عليه وسلم- طلب من أصحابه القود من نفسه
روى ابن سعد وأبو يعلى وابن جرير والطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن وابن الجوزي رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : الفضل بن عباس- فضل أعطه ثم قال : أيها الناس من كان عليه شيء فليؤده ولا يقولن رجل فضوح الدنيا ألا وإن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ثم عاد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مقالته الأولى ثم قال : «أيها الناس من كان عنده من الغلول شيء فليرده» ، فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله قال : «ولم غللتها ؟ » قال : كنت محتاجا إليها ، قال : «خذها منه يا فضل» ، فقال : ألا [ ص: 243 ] من أحس- وفي لفظ- خشي من نفسه شيئا فليأت . ادع الله له ، فقام رجل فقال : يا رسول الله إني لكذوب وإني لفاحش فقال : «اللهم ارزقه الصدق وأذهب عنه الكذب إذا أراد» ، ثم قام رجل فقال : يا رسول الله إني منافق وإني لبخيل وإني لجبان [وإني لنؤوم وإني لكذوب فقام فقال : فضحت نفسك أيها الرجل] فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- يا عمر بن الخطاب بن الخطاب : فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة فقال : اللهم ارزقه إيمانا وصدقا وأذهب عنه النوم وشح نفسه وشجع جبنه .
قال الفضل : فلقد رأيته في الغزو وما معنا رجل [أسخى] منه نفسا ولا أشد بأسا ، ولا أقل نوما فقال كلمة فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال : عمر معي وأنا مع عمر والحق مع عمر ، حيث كان وقامت امرأة وأومأت بإصبعها إلى نسائها فقال : انطلقي إلى بيت عمر حتى آتيك ثم أتاها ، فوضع قضيبا على رأسها ثم دعا لها ، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها- فإني كنت لا أعرف دعوة النبي- صلى الله عليه وسلم- فيها إذ كانت تقول : يا عائشة- أحسني صلاتك . عائشة «شدوا رأسي ، لعلي أخرج إلى المسجد» ، فشددت رأسه بعصابة ثم خرج إلى المسجد يهادى بين رجلين ، حتى قدم على المنبر ثم قال : نادوا في الناس فصحت في الناس فاجتمعوا إليه فقال : أما بعد أيها الناس فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، وإنه قد دنا مني خفوق من بين أظهركم وإنما أبا بشر فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه ، ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه ، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه ، ولا يقولن أحد : إني أخشى الشحناء من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، ألا وإن الشحناء ليست من طبعي ولا من شأني ، ألا وإن أخيركم إلي من أخذ مني شيئا كان له ، أو حللني فلقيت الله عز وجل وأنا طيب النفس ، وإني أرى أن هذا غير مغن حتى أقوم فيكم مرارا ثم نزل ، فصلى الظهر ، ثم جلس على المنبر ، فعاد لمقالته الأولى في الشحناء وغيرها فقام رجل فقال : إذا والله يا رسول الله إن لي عندك ثلاثة دراهم فقال : أما أنا فلا أكذب قائلا ولا أستحلفه على يمين ، فيم كانت لك عندي ؟ فقال يا رسول الله أتذكر يوم مر بك المسكين ، فأمرتني ، فأعطيته ثلاثة دراهم ، فقال : يا