الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في أن الله تبارك وتعالى يرضى لرضاها ، ويغضب لغضبها .

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني بإسناد حسن وابن السني في معجمه وأبو سعيد النيسابوري في "الشرف" عن علي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة : "إن الله تعالى يغضب لغضبك ويرضى لرضاك" انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقبلها في فمها .

                                                                                                                                                                                                                              [عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت : ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة ، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها ، فقبلها ورحب بها ، وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه ، وكانت هي إذا دخل عليها قامت إليه ، فقبلته وأخذت بيده] .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : فيما جاء أنه -صلى الله عليه وسلم- إذا سافر كان آخر عهده بها ، وإذا قدم أول ما يدخل عليها رضي الله تعالى عنها

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والبيهقي في "الشعب" عن ثوبان -رضي الله تعالى عنه- قال : كان [ ص: 45 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر آخر عهده إتيان فاطمة ، وأول من يدخل عليه فاطمة إذا قدم صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو عمر عن أبي ثعلبة -رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد ، فصلى ركعتين ثم أتى فاطمة -رضي الله تعالى عنها- (ثم أتى أزواجه) .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : في غيرته -صلى الله عليه وسلم- لها رضي الله تعالى عنها

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني عن أسماء بنت عميس -رضي الله تعالى عنها- قالت : خطبني علي فبلغ ذلك السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أسماء متزوجة علي بن أبي طالب ، فقال لها : "ما كان لها أن تؤذي الله ورسوله" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني في المعاجم الثلاثة عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن عليا -رضي الله تعالى عنه- خطب بنت أبي جهل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن كنت تزوجها فرد علينا ابنتنا ، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله تحت رجل واحد" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار عن علي -رضي الله تعالى عنه- أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أي شيء خير للمرأة فسكتوا ، فلما رجعت قلت لفاطمة : أي شيء خير للنساء ؟ قالت : لا يراهن الرجال ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : "إن فاطمة بضعة مني" .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن : في تشبهها -رضي الله تعالى عنها- هديا وسمتا ودلا ومشيا وحديثا به صلى الله عليه وسلم ، وقيامه صلى الله عليه وسلم لها إذا أقبلت ، وإجلاسه إياها مكانه

                                                                                                                                                                                                                              إخباره -صلى الله عليه وسلم- أنها سيدة نساء هذه الأمة ونساء أهل الجنة .

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : كنا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن واحدة ، فأقبلت فاطمة -رضي الله تعالى عنها- تمشي [كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "مرحبا يا بنتي" فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم إنه أسر إليها حديثا فبكت فاطمة ، ثم إنه سارها فضحكت أيضا ، فقلت لها : ما يبكيك ؟ فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن ، فقلت لها حين بكت : أخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين ؟ وسألتها عما قال : فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا قبض سألتها فقالت : إنه كان حدثني "إن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة ، وإنه عارضه به في العام مرتين ، ولا أراني [ ص: 46 ] إلا قد حضر أجلي ، وإنك أول أهلي لحوقا بي ، ونعم السلف أنا لك" فبكيت لذلك ، ثم إنه سارني فقال : "ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة" ؟ فضحكت لذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : ما رأيت أحدا أشبه سمتا ولا هديا ولا حديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن حبان عنها قالت : ما رأيت أحدا أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة -رضي الله تعالى عنها- وكانت إذا دخلت قام إليها فقبلها ، ورحب بها ، وأخذ بيدها ، وأجلسها في مجلسه ، وكانت هي -رضي الله تعالى عنها- إذا دخل صلى الله عليه وسلم عليها قامت إليه فقبلته وأخذت بيده وأجلسته مكانها ، فدخلت عليه في مرضه الذي توفي فيه فأسر إليها فبكت ، ثم أسر إليها فضحكت ، فقلت : كنت أحسب أن لهذه المرأة فضلا على نسائنا فإذا هي امرأة منهن ، بينما هي تبكي إذ هي تضحك ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عن ذلك فقالت : أسر إلي أنه ميت فبكيت ، ثم أسر إلي أني أول أهله لحوقا به فضحكت .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو يعلى برجال الصحيح والترمذي من غير ذكر فاطمة ومريم -عليهما السلام- عن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وفاطمة سيدة نسائهم إلا ما كان من مريم بنت عمران" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني في "الأوسط" "والكبير" برجال الصحيح عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران فاطمة وخديجة ثم آسية بنت مزاحم امرأة فرعون -وفي لفظ- : وآسية" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال الصحيح عن محمد بن مروان الذهلي -وثقه ابن حبان- عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن ملكا من السماء لم يكن زارني فاستأذن ربي في زيارتي فأذن له ، فبشرني وأخبرني أن فاطمة سيدة نساء أمتي" .

                                                                                                                                                                                                                              وسيأتي لهذا مزيد بيان في مناقب السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية