الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب التاسع في بعض مناقب السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في مولدها -عليها السلام- واسمها وكيفيتها

                                                                                                                                                                                                                              نقل أبو عمرو عن عبيد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي ، قال : ولدت فاطمة -رضي الله تعالى عنها- سنة إحدى وأربعين من مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا مغاير لما ذكره ابن إسحاق وغيره أن أولاد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولدوا قبل النبوة إلا إبراهيم -عليه السلام- وقال ابن الجوزي وغيره : ولدت قبل النبوة بخمس سنين أيام بناء البيت .

                                                                                                                                                                                                                              ونقل أبو عمرو عن الواقدي "أنها ولدت والكعبة تبنى ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ابن خمس وثلاثين سنة ، وبه جزم المدائني ، وقيل : كان مولدها قبل البعثة بقليل نحو سنة أو أكثر ، وهي أسن من عائشة بنحو خمس سنين ، وانقطع نسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أوائل المحرم سنة اثنين بعد عائشة بأربعة أشهر ، وكانت تكنى أم أبيها - بكسر الموحدة بعدها مثناة تحتية- ومن قال غير ذلك فقد صحف . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : ما جاء في مهرها ، وكيف تزوجها ، ووليمة عرسها ، وما جهزت به -رضي الله تعالى عنها-

                                                                                                                                                                                                                              تزوجها علي -رضي الله تعالى عنه- وهي ابنة خمس عشرة سنة وخمسة أشهر أو ستة ونصف من السنة الثانية من الهجرة في رمضان ، وبنى بها في ذي الحجة ، وقيل : تزوجها في رجب ، وقيل : في صفر ، وسنها -رضي الله تعالى عنها- يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ، ولم يتزوج عليها حتى ماتت رضي الله تعالى عنهما .

                                                                                                                                                                                                                              قال جعفر بن محمد : تزوج علي فاطمة -رضي الله تعالى عنها- في شهر صفر في السنة الثانية ، وبنى بها في شهر ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا من الهجرة .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عمر : وبعد وقعة بدر .

                                                                                                                                                                                                                              وقال غيره : بعد بنائه بعائشة -رضي الله تعالى عنها- بأربعة أشهر ونصف شهر ، وبنى بها بعد تزويجها بسبعة أشهر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم والبيهقي ، وابن إسحاق عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : قالت لي مولاة لي : هل علمت ( . . . . ) .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسدد عن رجل سمع عليا -رضي الله تعالى عنه- بالكوفة يقول : أردت أن أخطب فاطمة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت أن لا شيء لي ، ثم ذكرت عائدته وصلته [ ص: 38 ] فخطبتها ، فقال : أرني درعك الحطمية التي أعطيتكها يوم كذا وكذا ، قال : هي عندي ، قال : فأعطها إياه ، ثم قال : لا تحدث شيئا حتى آتيكما ، فأتاني وعلينا قطيفة أو كساء ، فلما رآنا تحسسنا ، فدعا ، فأتياه بإناء فدعا فيه ، ثم دسه علينا ، فقلت : يا رسول الله أينا أحب إليك ؟ قال : هي أحب إلي منك ، وأنت أعز علي منها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن حجر بن عنبس -رحمه الله تعالى- قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة -رضي الله تعالى عنهما- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : "هي لك يا علي" .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه البزار ورجالهما ثقات ، وحجر لم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- وزاد "ولست بدجال" وقوله -صلى الله عليه وسلم- "ولست بدجال" : يدل على أنه قد كان وعده فقال : لا أخلف الوعد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال : كنت قاعدا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : "إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي والخطيب وابن عساكر عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : كنت قاعدا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فغشيه الوحي ، فلما سري عنه قال : "يا أنس ، أتدري ما جاءني به جبريل من عند صاحب العرش" قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : "إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى إسحاق بسند ضعيف عن علي -رضي الله تعالى عنه- أنه لما تزوج فاطمة قال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : "اجعل عامة الصداق في الطيب" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى بسند ضعيف عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : خطبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابنته فاطمة فباع علي درعا له ، وبعض متاع من متاعه ، فبلغ أربعمائة وثمانين درهما ، وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجعل ثلثيه في الطيب ، وثلثا في الثياب ، ومج في جرة من ماء ، وأمرهم أن يغتسلوا به ، قال : وأمرها أن لا تسبقه برضاع ولدها فسبقته برضاع الحسين ، وأما الحسن فإنه -صلى الله عليه وسلم- صنع فيه شيئا لا يدرى (ما هو ، فكان أعلم الرجلين) .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي خيثمة وابن سعد عن علباء بن أحمر اليشكري -رحمه الله تعالى- أن عليا -رضي الله تعالى عنه- تزوج فاطمة على أربعمائة وثمانين ، فأمره النبي أن يجعل ثلثين في الطيب وثلثا في الثياب .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عنه أن عليا باع بعيرا له بثمانين وأربعمائة درهم ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "اجعلوا ثلثيه في الطيب وثلثا في الثياب" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 39 ] روى الطبراني وابن أبي خيثمة وابن حبان في صحيحه من طريق يحيى بن يعلى الأسلمي ، والبزار من طريق محمد بن ثابت بن أسلم ، وهما ضعيفان عن أنس بن مالك ، وابن أبي خيثمة والطبراني عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال ابن ثابت : إن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أتى أبا بكر -رضي الله تعالى عنه- قال : ما يمنعك أن تتزوج فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : لا يزوجني ، قال : إذا لم يزوجك فمن يزوج؛ إنك من أكرم الناس عليه ، وأقدمهم في الإسلام ، قال : فانطلق أبو بكر إلى بيت عائشة ، فقال : يا عائشة ، إذا رأيت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طيب نفس وإقبالا عليك فاذكري له أني ذكرت فاطمة ، فلعل الله عز وجل أن ييسرها إلي ، قال : فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأت منه طيب نفس وإقبالا ، فقالت : يا رسول الله إن أبا بكر ذكر فاطمة ، وأمرني أن أذكرها ، فقال : حتى ينزل القضاء ، فرجع إليها أبو بكر ، فقالت : يا أبتاه ، وددت أني لم أذكر له الذي ذكرت .

                                                                                                                                                                                                                              وقال يحيى : إن أبا بكر -رضي الله تعالى عنه- جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله قد عرفت مني صحبتي ، وقدمي في الإسلام ، قال : وما ذاك ؟ قال : تزوجني فاطمة ، فسكت عنه ساعة أو قال : فأعرض عنه ، فرجع أبو بكر إلى عمر ، فقال : هلكت ، وأهلكت ، قال : وما ذاك ؟ قال خطبت فاطمة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعرض عني ، وقال ابن ثابت : فانطلق عمر إلى حفصة ، وقال لها : إذا رأيت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إقبالا عليك فاذكري له أني ذكرت فاطمة؛ لعل الله أن ييسرها إلي ، فلما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت حفصة : ووجدت منه إقبالا وطيب نفس ، فذكرت له فاطمة -رضي الله تعالى عنها- فقال : حتى ينزل القضاء ، قال ابن ثابت : فأتى عمر -رضي الله تعالى عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقعد بين يديه ، فقال : يا رسول الله ، قد علمت مني صحبتي وقدمي في الإسلام ، وإني وإني ، قال : "وماذا ؟ " قال : تزوجني فاطمة ، فأعرض عنه ، فرجع عمر إلى أبي بكر ، فقال : إنه ينتظر أمر الله فيها ، فانطلق عمر إلى علي .

                                                                                                                                                                                                                              قال يحيى : إن أبا بكر وعمر قالا : انطلق بنا إلى علي حتى نأمره أن يطلب مثل الذي طلبنا ، قال علي : فأتياني وأنا في سبيل ، فقالا : بنت عمك تخطب فنبهاني لأمر ، فقمت أجر ردائي ، طرف على عاتقي ، والطرف الآخر في الأرض ، حتى أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن ثابت : ولم يكن لعلي مثل عائشة ولا مثل حفصة ، فلقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : إني أريد أن أتزوج فاطمة ، قال فافعل ، قال : ما عندي إلا درعي الحطمية . . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- عند الطبراني من طريق يحيى بن العلاء ، قال : كانت فاطمة تذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا يذكرها أحد إلا صد عنه ، حتى يئسوا منها ، فلقي سعد بن معاذ -رضي الله تعالى عنه- عليا فقال : إني والله ما أرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحبها إلا عليك ، فقال له علي -رضي الله تعالى عنه- : هل ترى ذلك ، ما أنا [ ص: 40 ] بأحد الرجلين ، ما أنا بصاحب دنيا يلتمس ما عندي ، وقد علم ما لي بيضاء ولا صفراء .

                                                                                                                                                                                                                              وما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه -يعني يتألفه بها؛ إني لأول من أسلم ، فقال سعد : إني أعزم عليك لتفرجنها عني ، فإن لي في ذلك فرجا ، قال : أقول ماذا ؟ قال : جئت خاطبا إلى الله وإلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- فاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- مرحبا ، كلمة ضعيفة ، ثم رجع إلى سعد ، فقال : قد فعلت الذي أمرتني به ، فلم يزد على أنه رحب بي كلمة ضعيفة ، فقال سعد : أنكحك والذي بعثه بالحق ، إنه لا خلف ولا كذب عنده ، أعزم عليك لتأتينه فلتقولن : يا نبي الله متى تبنيني ؟ فقال علي : هذه أشد علي من الأولى ، أولا أقول : يا رسول الله! حاجتي ؟ قال : قل كما أمرتك ، فانطلق علي فقال : يا رسول الله ، متى تبنيني ؟ قال : "الليلة إن شاء الله"
                                                                                                                                                                                                                              . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث بريرة عند النسائي في عمل اليوم والليلة والروياني في مسنده ، وعند البزار والطبراني برجال ثقات ، غالبهم رجال الصحيح ، والدولابي : أن نفرا من الأنصار قالوا لعلي -رضي الله تعالى عنه- : لو خطب فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأبى .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : لو كانت عندك فاطمة ، فدخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : ما حاجة ابن أبي طالب ؟ فقال : يا رسول الله ، ذكرت بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : "مرحبا وأهلا" لم يزده عليهما فخرج على أولئك النفر من الأنصار وهم ينتظرونه فقالوا له : ما وراءك ؟ قال : ما أدري ، غير أنه قال لي : مرحبا وأهلا ، قالوا : يكفيك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إحداهما ، أعطاك الأهل والمرحب .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- فقال سعد : أنكحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي بعثه بالحق؛ إنه لا خلف ولا كذب عنده ، أعزم عليك لتأتينه غدا ، فتقول يا نبي الله متى تبنيني بأهلي ؟ فقال علي : هذه أشد علي من الأولى ، أولا أقول : يا رسول الله! حاجتي ، قال : قل كما أمرتك ، فانطلق علي ، فقال : يا رسول الله ، متى تبنيني بأهلي ؟ قال : "الليلة إن شاء الله تعالى" قال : فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : "ما عندك يا علي" فقلت : يا رسول الله ، فرسي وبدني ، يعني درعي الحطمية ، قال : "أما فرسك لا بد لك منه ، وأما بدنك فبعها" فبعتها بأربعمائة وثمانين درهما ، فأتيت بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوضعتها في حجره ، فقبض منها قبضة ، فقال : "يا بلال" ابغني بها طيبا ، وقال ابن ثابت : فقبض ثلاث قبضات ، فرفعها إلى أم أيمن فقال : اجعلي منها قبضة في الطيب .

                                                                                                                                                                                                                              أحسبه قال الباقي فيما يصلح المرأة ، وزوجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما فرغت من الجهاز ، وأدخلتهم بيتا .


                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 41 ] وفي حديث بريدة : فلما كان بعدما زوجه قال : "يا علي ، إنه لا بد للعروس من وليمة" .

                                                                                                                                                                                                                              فقال سعد : عندي كبش .

                                                                                                                                                                                                                              وجمع له رهط من الأنصار من ذرة .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الإمام أحمد برجال الصحيح غير عبد الكريم بن سليط وهو مستور ، بلفظ ، وقال : على فلان كذا وكذا من ذرة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث يحيى : وأمرهم أن يجهزوها ، فجعل لها سريرا مشرطا بالشريط ، ووسادة من أدم حشوها ليف ، وملأ البيت كثيبا ، يعني رملا ، وقال : إذا أتتك ، فلا تحدث شيئا حتى آتيك ، فجاءت مع أم أيمن ، فقعدت في جانب البيت ، وأنا في جانب .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد بسند جيد عن علي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف ، وثور وسقاء وجرتين .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدولابي عن أسماء بنت عميس -رضي الله تعالى عنها- قالت : لقد جهزت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى علي -رضي الله تعالى عنهما- وما كان حشو فرشهما ووسادتهما إلا ليف .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد في المناقب عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : جهز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاطمة في خميلة وقربة ووسادة من أدم حشوها ليف .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البلاذري عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحية منه ، وتعجن فاطمة على ناحية .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن حبان عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبض من المهر قبضة ، وقال لبلال : اشتر لنا بها طيبا ، وأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجهزوها فجعل سريرا مشرطا بشرائط ، ووسادة من أدم حشوها ليف .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو بكر بن فارس ، عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال : كان فراش علي وفاطمة -رضي الله تعالى عنهما- ليلة عرسهما إهاب كبش .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن ضمرة بن حبيب -رضي الله تعالى عنهما- قال قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ابنته السيدة فاطمة بخدمة البيت ، وقضى على علي بما كان خارج البيت .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسدد مرسلا عن ضمرة -رضي الله تعالى عنه- قال : قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ابنته فاطمة -رضي الله تعالى عنها- بخدمة البيت ، وقضى على علي -رضي الله تعالى عنه- بما كان خارج البيت .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أحمد بن منيع بسند ضعيف عن أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها [ ص: 42 ] قالت : تزوجت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على درع منشفة بمغفرة ، ونصف قطيفة بيضاء ، وقدح ، وإن كانت تستر بكم درعها ، وما لها خمار ، وقالت : أعطاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آصعا من تمر ومن شعير ، فقال : "إذا دخلن عليك نساء الأنصار فأطعميهن منه" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني من طريق مسلم بن خالد الزنجي عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال : حضرنا عرس علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما رأينا عرسا كان أحسن منه ، حسا لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زبيبا وتمرا ، فأكلنا منه ، وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه البزار ، وزاد : وحشونا الفراش ، يعني : الليف .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عن عبد الله بن عمرو -رضي الله تعالى عنهما- قال : لما جهز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السيدة فاطمة إلى علي -رضي الله تعالى عنهما- بعث معها بخميلة وهي القطيفة ووسادة من أدم حشوها ليف وإذخر ، وقربتان ، وكانا يفترشان الخميل ، ويلتحفان بنصفه . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وروى من طريق عوف بن محمد ابن الحنفية عن أسماء بنت عميس -رضي الله تعالى عنها- قالت : أهديت جدتك فاطمة إلى جدك علي -رضي الله تعالى عنهما- فما كان حشو فراشهما ووسادتهما إلا ليفا ، ولقد أولم علي على فاطمة -رضي الله تعالى عنهما- فما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته ، ورهن درعه عند يهودي بشطر شعير .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدولابي عن أسماء بنت عميس -رضي الله تعالى عنها- أنه أولم على فاطمة وكانت وليمته آصعا من شعير وتمر .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث ابن عباس فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالا فقال : "يا بلال ، إني زوجت ابنتي ابن عمي ، وأنا أحب أن يكون من سنة أمتي إطعام الطعام عند النكاح ، فخذ شاة وأربعة أمداد أو خمسة ، فاجعل لي قصعة ، وادع عليها المهاجرين والأنصار ، فإذا فرغت فائتني بها" . فانطلق ففعل ما أمره به ، ثم أتاه بالقصعة ، فوضعها بين يديه فطعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإصبعه في رأسها ، ثم قال : أدخل علي الناس زفة زفة ، ولا تغادرن إلى غيرها ، يعني إذا فرغت زفة فلا يعودن ثانية ، فجعل الناس يردون كلما فرغت زفة وردت أخرى ، حتى فرغ الناس ، ثم عمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ما فضل منها فتفل فيه وبارك .

                                                                                                                                                                                                                              وقال : "يا بلال ، احملها إلى أمهاتك ، وقل لهن يأكلن منها ، ويطعمن من غشيهن"
                                                                                                                                                                                                                              انتهى . ثم قال- صلى الله عليه وسلم- : "يا علي ، لا تحدثن إلى أهلك شيئا" .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أسماء بنت عميس -رضي الله تعالى عنها- عند الطبراني برجال الصحيح قالت : لما أهديت السيدة فاطمة إلى علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنهما- لم نجد في [ ص: 43 ] بيته إلا رملا مبسوطا ، ووسادة حشوها ليف وجرة وكوزا ، فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لا تحدثن حدثا" أو قال : "لا تقربن أهلك حتى آتيك" فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : "أثم أخي" فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمى ، ثم قال فيه ما شاء الله أن يقول ، ثم مسح صدر علي ووجهه ، ثم دعا فاطمة -رضي الله تعالى عنها- فقامت إليه تعثر في مرطها من الحياء ، فنضح من ذلك الماء ، ثم قال لها ما شاء الله أن يقول ، ثم قال لها : "أما إني لم آلك أن أنكحتك أحب أهلي إلي" .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث بريدة -رضي الله تعالى عنه- فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بماء فتوضأ منه ، ثم أفرغه على علي فقال : "اللهم ، بارك فيهما ، وبارك لهما في أبنائهما" .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : "بارك لهما وبارك في شبلهما" .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ ابن ناصر الدين راوي الحديث : صوابه : بنسلهما .

                                                                                                                                                                                                                              وأورده الضياء المقدسي في المختارة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أسماء ، قالت أسماء : ثم رأى سوادا من وراء الستر ، أو من وراء الباب ، فقال : من هذا ؟ قالت : أسماء ، قالت : نعم يا رسول الله ، جئت كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن الفتاة يبنى بها الليلة ولا بد لها من امرأة تكون قريبا منها ، إن عرضت لها حاجة أفضت بذلك إليها ، قالت : فدعا لي بدعاء ، إنه لأوثق عملي عندي ، ثم قال لعلي : "دونك أهلك" ، ثم خرج ، فولى ، فما زال يدعو لهما ، حتى توارى في حجره .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على النساء فقال : إني قد زوجت ابنتي ابن عمي ، وقد علمتن منزلتها مني ، وأنا دافعها إليه ، فدونكن ، فقمن النساء فغلفنها من طيبهن ، وألبسنها من ثيابهن ، وحلينها من حليهن ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فلما رأى النساء ذهبن ، وبين النبي صلى الله عليه وسلم ستر ، وتخلفت أسماء بنت عميس -رضي الله تعالى عنها- فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كما أنت ، على رسلك ، من أنت ؟ قالت : أنا التي أحرس ابنتك ، فإن الفتاة الليلة يبنى بها ، ولا بد من امرأة تكون قريبا منها ، إن عرضت لها حاجة ، أو أرادت شيئا أمضيت بذلك إليها ، ثم صرخ بفاطمة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث يحيى فقال لفاطمة : "ائتني بماء" فقامت إلى قعب في البيت ، فجعلت فيه ماء فأتته به ، فمج فيه ثم ، قال لها : قومي فنضح على رأسها وبين ثدييها ، وقال : "اللهم ، إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" ، ثم قال : "ائتني بماء" فعلمت الذي يريده ، فملأت القعب ماء ، فأتيته به ، فأخذ منه بفيه ، ثم مجه فيه ، ثم صبه على رأسي وبين يدي ، ثم قال : "اللهم ، إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" ثم قال لي : "أدبري" فأدبرت فصب بين كتفي ثم [ ص: 44 ] قال : "اللهم ، إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" ثم قال لي : "ادخل على أهلك باسم الله والبركة" .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في أنها كانت أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني برجال الصحيح عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وعلي -رضي الله تعالى عنهما- وهما جالسان يضحكان ، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما لكما كنتما تضحكان ، فلما رأيتماني سكتما" فبادرت فاطمة -رضي الله تعالى عنها- فقالت : بأبي أنت يا رسول الله ، قال هذا : أنا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ، فقلت : بل أنا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : "يا بنية لك رقة الولد ، وعلي أعز علي منك" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود الطيالسي والطبراني في الكبير ، والحاكم والترمذي وقال : حسن ، وأبو القاسم البغوي في معجمه عن أسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أحب أهل بيتي إلي فاطمة" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- قال : يا رسول الله ، أينا أحب إليك أنا أم فاطمة ؟ قال : "فاطمة أحب إلي منك ، وأنت أعز علي منها" .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية