الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر الاختلاف فيما أهل به- صلى الله عليه وسلم- :

                                                                                                                                                                                                                              اختلف في ذلك على أربعة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : الإفراد بالحج .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمامان : الشافعي وأحمد ، والشيخان والنسائي عن عائشة وأحمد ، ومسلم ، وابن ماجه ، والبيهقي عن جابر بن عبد الله ، وأحمد ، ومسلم ، والبزار ، عن عبد الله بن عمر ، ومسلم ، والدارقطني ، والبيهقي ، عن ابن عباس «أنه- صلى الله عليه وسلم- أهل بالحج مفردا» . الثاني : القرآن .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، والبخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه والبيهقي عن عمر بن الخطاب وأحمد عن عثمان وأحمد والبخاري ، وابن حبان ، عن علي ، وأحمد ، والنسائي ، والشيخان ، والبزار ، والبيهقي ، عن أنس ، والترمذي ، وابن ماجه ، والبزار ، والدارقطني ، والبيهقي ، عن جابر بن عبد الله ، والإمام أحمد ، وابن ماجه ، عن أبي طلحة : زيد بن سهل الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- وأحمد ، عن سراقة بن مالك ، والإمامان : مالك ، وأحمد ، [ ص: 456 ] والترمذي وصححه ، والنسائي عن سعد بن أبي وقاص ، والطبراني ، عن عبد الله بن أبي أوفى والإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، عن ابن عباس ، وأحمد ومسلم ، والنسائي ، والدارقطني ، عن الهرماس بن زياد ، وأبو يعلى ، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وأحمد ، والشيخان ، عن ابن عمرو ، وأحمد ، عن عمران بن حصين ، والدارقطني ، عن أبي قتادة ، والترمذي- وحسنه- عن جابر بن عبد الله ، وأحمد ، عن حفصة ، والشيخان ، والبيهقي ، عن عائشة- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان قارنا» .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : التمتع .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، والشيخان ، وأبو داود ، والنسائي ، عن ابن عمر قال : تمتع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع بالعمرة ، إلى الحج ، وأهدى ، فساق الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان ، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في تمتعه بالعمرة إلى الحج : وتمتع الناس معه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم ، عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- قال : «تمتع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتمتعنا معه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «هذه عمرة استمتعنا بها ، فمن لم يكن عنده الهدي فليحل الحل كله ، فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري ، عن حفصة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت يا رسول الله : ما شأن الناس حلوا بعمرة ؟ ولم تحلل أنت من عمرتك ؟ قال : «إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر» . [ ص: 457 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والترمذي وحسنه ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال :

                                                                                                                                                                                                                              «تمتع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وأول من نهى عنه معاوية .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عن معاوية- رضي الله تعالى عنه- قال : «قصرت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمشقص» ، زاد مسلم ، فقلت : «لا أعلم هذه إلا حجة عليك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي ، عن عطاء ، عن معاوية قال : «أخذت من أطراف شعر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمشقص كان معي ، بعد ما طاف بالبيت وبالصفا والمروة ، في أيام العشر» .

                                                                                                                                                                                                                              قال قيس بن سعد الراوي ، عن عطاء : «والناس ينكرون هذا على معاوية» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال : «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يحج» .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : - الإطلاق .

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان ، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا نذكر حجا ولا عمرة وفي لفظ «نلبي لا نذكر حجا ولا عمرة» ، وفي لفظ «خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا نرى إلا الحج . حتى إذا دنونا من مكة ، أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من لم يكن معه هدي إذا طاف بين الصفا والمروة ، أن يحل» .

                                                                                                                                                                                                                              قال الإمام الشافعي- رحمه الله تعالى- أخبرنا سفيان ، أخبرنا ابن طاوس ، وإبراهيم بن ميسرة ، وهشام بن حجير سمعوا طاوسا يقول : «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المدينة لا يسمي حجا ولا عمرة ، ينتظر القضاء ، فنزل عليه القضاء بين الصفا والمروة ، فأمر أصحابه من كان منهم أهل ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة . الحديث» ويأتي الكلام عليه في التنبيهات . [ ص: 458 ]

                                                                                                                                                                                                                              فهذه أربعة أقوال : «الإفراد ، والقران ، والتمتع ، والإطلاق ، ورجحا أنه- صلى الله عليه وسلم- كان قارنا ، ورجحه المحب الطبري ، والحافظ ، وغيرهم ، ويأتي تحقيقه بعد تمام القصة ، قال : أهل في مصلاه ، ثم ركب ناقته ، فأهل أيضا ، ثم أهل لما استقلت به على البيداء وكان يهل بالحج والعمرة تارة ، وبالعمرة تارة ، وبالحج تارة لأن العمرة جزء منه ، فمن ثم قيل : قرن . وقيل : تمتع ، وقيل : أفرد ، وكل ذلك وقع بعد صلاة الظهر ، خلافا لابن حزم ، وصاحب الاطلاع ، قال النووي ، والحافظ : وطريق الجمع بين الأحاديث وهو الصحيح : أنه- صلى الله عليه وسلم- كان أولا مفردا بالحج ، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك ، وأدخلها على الحج فصار : قارنا ، فمن روى الإفراد هو الأصل ، ومن روى القران اعتمد آخر الأمر ، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية