الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر أقوام تخلفوا من غير عذر

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما . والبيهقي عن سعيد بن المسيب رحمه الله - في قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                              وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا [التوبة 102] قال ابن عباس كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك منهم : أبو لبابة ، وسمى قتادة منهم : جد بن قيس وجذام بن أوس . رواه ابن أبي حاتم .

                                                                                                                                                                                                                              فلما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد ، وكان ممر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رجع من المسجد عليهم ، فلما رآهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "من هؤلاء الموثقون أنفسهم" قالوا : هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله ، فعاهدوا الله ألا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم فترضى عنهم وتعذرهم ، وقد اعترفوا بذنوبهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يطلقهم ، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين"

                                                                                                                                                                                                                              فلما بلغهم ذلك قالوا :

                                                                                                                                                                                                                              ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله تبارك وتعالى هو الذي يطلقنا ، فأنزل الله تبارك وتعالى :

                                                                                                                                                                                                                              وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم
                                                                                                                                                                                                                              [التوبة 102] وعسى من الله واجب ، إنه هو التواب الرحيم [البقرة 37] فلما نزلت أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم فأطلقهم وعذرهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المسيب : فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي لبابة ليطلقه ، فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطلقه بيده ، فجاءوا بأموالهم فقالوا : يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أمرت أن آخذ أموالكم"

                                                                                                                                                                                                                              فأنزل الله تعالى : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم يقول : استغفر لهم إن صلاتك سكن لهم [التوبة 103] [ ص: 479 ] يقول : رحمة لهم فأخذ منهم الصدقة ، واستغفر لهم وكان ثلاثة نفر منهم لم يوثقوا أنفسهم بالسواري فأرجئوا سنة لا يدرون يعذبون أو يتاب عليهم ، فأنزل الله تعالى : لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة [التوبة 117] إلى آخر الآية . وقوله : وعلى الثلاثة الذين خلفوا إلى قوله : ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم [التوبة 118] يعني استقاموا فأنزل الله تبارك - وتعالى - في شأن هذه الغزوة كثيرا من سورة براءة تقدم كثير من ذلك في محاله .

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي : وزعم ابن إسحاق أن ارتباط أبي لبابة كان في وقعة بني قريظة ، وقد روينا عن ابن عباس وسعيد بن المسيب ما دل على أن ارتباطه كان بتخلفه في غزوة تبوك .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية