الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر إرادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الانصراف من تبوك إلى المدينة ، وما وقع في ذلك من الآيات ، وقدر إقامته - صلى الله عليه وسلم - بتبوك

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم عن أبي هريرة . وإسحاق بن راهويه ، وأبو يعلى ، وأبو نعيم ، وابن عساكر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - ومحمد بن عمر عن شيوخه قال شيوخ ابن عمر : ولما [ ص: 463 ] أجمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السير من تبوك أرمل الناس إرمالا ، فشخص على ذلك من الحال .

                                                                                                                                                                                                                              انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو هريرة : فقالوا : يا رسول الله لو أذنت لنا فننحر نواضحنا فأكلنا وادهنا ؟ قال شيوخ محمد بن عمر : فلقيهم عمر بن الخطاب وهم على نحرها فأمرهم أن يمسكوا عن نحرها ، ثم دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خيمة له ثم اتفقوا فقال يا رسول الله أأذنت للناس في نحر حمولتهم يأكلونها ؟ قال شيوخ محمد : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "شكوا إلي ما بلغ منهم الجوع فأذنت لهم ينحر الرفقة البعير والبعيرين ويتعاقبون فيما فضل منهم فإنهم قافلون إلى أهليهم" - انتهى . فقال عمر : يا رسول الله لا تفعل ، فإن يك في الناس فضل من الظهر يكن خيرا ، فالظهر اليوم رقاق انتهى . ولكن يا رسول الله ادع بفضل أزوادهم ، ثم اجمعها ، وادع الله تعالى فيها بالبركة لعل الله تعالى أن يجعل فيها البركة . زاد شيوخ محمد كما فعلت في منصرفنا من الحديبية حين أرملنا ، فإن الله تعالى مستجيب لك انتهى ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "نعم" فدعا بنطع فبسط - قال شيوخ محمد : بالأنطاع فبسطت - ونادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

                                                                                                                                                                                                                              من كان عنده فضل من زاد فليأت به - انتهى فجعل الرجل يأتي بكف ذرة ، ويجيء الآخر بكف تمر ، ويجيء الآخر بكسرة . وقال شيوخ محمد : وجعل الرجل يأتي بالدقيق أو التمر أو القبضة من الدقيق والسويق والتمر والكسر فيوضع كل صنف من ذلك على حدة وكل ذلك قليل وكان جميع ما جاءوا به من السويق والدقيق والتمر ثلاثة أفراق حزرا - والفرق ثلاثة آصع .

                                                                                                                                                                                                                              انتهى قال : فجزأنا ما جاءوا به فوجدوه سبعة وعشرين صاعا . قال شيوخ محمد : ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ وصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى أن يبارك فيه . قال عمر : فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنبه فدعا فيه بالبركة ، ثم قال : "أيها الناس خذوا ولا تنتهبوا" فأخذوه في الجرب والغرائر ، حتى جعل الرجل يعقد قميصه فيأخذ فيه ، قال أبو هريرة - رضي الله عنه وما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه ، وأكلوا حتى شبعوا ، وفضلت فضلة . قال شيوخ محمد بن عمر : قال بعض من الصحابة : لقد طرحت كسرة يومئذ من خبز وقبضة من تمر ، ولقد رأيت الأنطاع تفيض ، وجئت بجرابين فملأت أحدهما سويقا والآخر خبزا ، وأخذت في ثوبي دقيقا كفاني إلى المدينة - قال : فأخذوا حتى صدروا . وإنه نحو ما كانوا يحرزون - قالوا كلهم : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، لا يأتي بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة وفي لفظ لا يأتي بها عبد محق إلا وقاه الله حر النار

                                                                                                                                                                                                                              ، وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كما رواه ابن سعد أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة [ ص: 464 ] وعلى ذلك جرى محمد بن عمر وابن حزم وغيرهم ، وقال ابن عقبة ، وابن إسحاق : بضع عشرة ليلة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية