[ ص: 175 ] الباب الخامس والعشرون في غزوة ذات الرقاع
وهي غزوة محارب ، وبني ثعلبة ، وسببها أن قادما قدم بجلب إلى المدينة ، فاشتراه منه أهلها ، فقال للمسلمين : إن بني أنمار بن بغيض ، وبني سعد بن ثعلبة قد جمعوا لكم جموعا ، وأراكم هادئين عنهم ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستخلف على المدينة - قال ابن إسحاق :
وقال أبا ذر الغفاري ، محمد بن عمر وابن سعد وابن هشام : وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عثمان بن عفان ، المدينة ليلة السبت لعشر خلون من المحرم . في أربعمائة أو سبعمائة ، أو ثمانمائة ، وسلك على المضيق ، ثم أفضى إلى وادي الشقرة ، فأقام فيها يوما ، وبث السرايا ، فرجعوا منها مع الليل وخبروه أنهم لم يروا أحدا ، ووطئوا آثارا حديثة ، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه حتى أتى نخلا ، وأتى مجالسهم ، فلم يجد فيها أحدا إلا نسوة ، فأخذهن وفيهن جارية وضيئة ، وقد هربت الأعراب في رؤوس الجبال ، وهم مطلون على المسلمين .
قال فلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمعا من ابن إسحاق : غطفان ، فتقارب الناس ، ولم يكن بينهم قتال ، فخاف الفريقان بعضهم من بعض ، خاف المسلمون أن يغير المشركون عليهم ، وهم غارون ، وخاف المشركون أن لا يبرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يستأصلهم .
ولما حانت الصلاة - صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه صلاة الخوف .
وروى عن البيهقي - رضي الله عنه - قال : جابر جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فصلى العصر صلاة الخوف . صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر ، فهم به المشركون ، فقالوا : دعوهم فإن لهم صلاة بعد هذه أحب إليهم من أبنائهم ، فنزل
قال ابن سعد : وكان ذلك أول ما صلاها ، ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راجعا إلى المدينة .
وبعث بجعال - بضم الجيم ، وبالعين المهملة ، واللام ، ابن سراقة - رضي الله عنه - بشيرا إلى أهل المدينة بسلامة المسلمين .
وغاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة ليلة .
وقد وقع في هذه الغزوة آيات كثيرة : روى أكثرها - رضي الله تعالى عنه - . جابر بن عبد الله
روى البزار في الأوسط عنه ، قال : كانت والطبراني - انتهى . منها ما وقع عند إرادة غزوة ذات الرقاع تسمى غزوة الأعاجيب غوث بن الحرث الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - . [ ص: 176 ]
روى الشيخان وغيرهما من طرق عن - رضي الله عنه - قال : جابر غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل نجد - وفي رواية ذات الرقاع ، فلما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدركته القائلة يوما بواد كثير العضاة فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفرق الناس يستظلون بالشجر ، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت ظل شجرة فعلق بها سيفه ، فنمنا نومة ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعونا فجئناه ، فإذا عنده أعرابي جالس ، فقال : «إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم ، فاستيقظت وهو في يده صلتا ، فقال لي : من يمنعك مني ؟ قلت : الله . قال : من يمنعك مني ؟ قلت : الله ، قال : من يمنعك مني ؟ قلت : الله - ثلاث مرات ، فشام السيف وجلس ، ولم يعاقبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
ولهذه القصة طرق تأتي مع بعض ما يتعلق بها من الفوائد في أبواب عصمته - صلى الله عليه وسلم - ممن أراد الفتك به .
ومنها قصة الصبي الذي به جنون ،
روى البزار والطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم عن جابر - رضي الله عنه - قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة ذات الرقاع حتى إذا أتى حرة واقم ، حضرت امرأة بدوية بابن لها ، فقالت : يا رسول الله ، هذا ابني قد غلبني عليه الشيطان ، ففتح فاه فبزق فيه ، فقال : «اخسأ عدو الله أنا رسول الله ثلاثا ، ثم قال : «شأنك بابنك لن يعود الله بشيء ، مما كان يصيبه»
ومنها قصة البيضات الثلاث :
روى محمد بن عمر ، عن وأبو نعيم - رضي الله عنه - قال في غزوة ذات الرقاع : جابر جاء علبة بن زيد الحارثي - رضي الله عنه - بثلاث بيضات أداحي ، فقال يا رسول الله : وجدت البيضات هذه في مفحص نعام ، فقال : دونك يا فاعمل هذه البيضات فعملتهن ، ثم جئت بهن في قصعة فجعلت أطلب خبزا فلا أجده ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يأكلون من ذلك البيض بغير خبز حتى انتهى إلى حاجته والبيض في القصعة كما هو ، ثم قام فأكل منه عامة أصحابه ، ثم رحنا مبردين جابر ، .
ومنها قصة الرجل الذي دعا عليه - صلى الله عليه وسلم - بضرب رقبته :
روى محمد بن عمر ، والحاكم ، عن وأبو نعيم - رضي الله عنه - جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى على رجل ثوبا مخروقا ، فقال : ما له غيره ؟ فقالوا له ثوبان جديدان في العيبة ، فأمره بلبسهما ، فلما ولى الرجل ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أليس هذا أحسن ؟ ما له ضرب الله عنقه ؟ ” فسمعه الرجل فقال : يا [ ص: 177 ] رسول الله في سبيل الله تعالى ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبيل الله فقتل الرجل في وقعة اليمامة .
ومنها قصة الجمل الذي شكا إليه حاله .
روى البزار ، في الأوسط ، والطبراني عن وأبو نعيم - رضي الله عنه - قال : جابر
«أتدرون ما قال هذا الجمل ؟ ” هذا جمل يستعديني على سيده ، يزعم أنه كان يحرث عليه منذ سنين ، وأنه أراد أن ينحره ، اذهب يا جابر إلى صاحبه فأت به ، فقلت : لا أعرفه . فقال : إنه سيدلك عليه” فخرج بين يدي مقنعا ، حتى وقف على صاحبه ، فجئت به فكلمه - صلى الله عليه وسلم - في شأن الجمل . رجعنا من غزوة ذات الرقاع ، حتى إذا كنا بمهبط الحرة ، أقبل جمل يرقل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
ومنها - رضي الله عنه - قصة جمل جابر
روى عن الإمام أحمد - رضي الله عنه - قال : جابر . فقدت جملي في ليلة مظلمة ، فمررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : «ما لك” . فقلت يا رسول الله!! فقدت جملي ، فقال : «ذاك جملك ، اذهب فخذه” . فذهبت نحو ما قال فلم أجده ، فرجعت إليه ، فقال مثل ذلك ، فذهبت فلم أجده ، فرجعت إليه ، فانطلق معي حتى أتينا الجمل ، فدفعه إلي
قصة أخرى :
روى الإمام أحمد ، والشيخان ، وأبو نعيم ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمر من طرق عن - رضي الله عنه - قال : جابر - وبقية الحديث يأتي في باب مزاحه ومداعبته - صلى الله عليه وسلم - وفي باب كرمه وجوده ، وفي باب بيعه وشرائه . [ ص: 178 ] كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني ثعلبة ، وخرجت على ناضح لي ، فأبطأ علي ، وأعياني حتى ذهب الناس ، فجعلت أرقبه ، وهمني شأنه فأتى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : «ما شأنك” ، فقلت : يا رسول الله!! أبطأ علي جملي ، فأناخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيره ، فقال : «معك ماء” ؟ فقلت : نعم . فجئته بقعب من ماء ، فنفث فيه ثم نضح على رأسه وظهره ، وعلى عجزه . ثم قال : «أعطني عصا” ، فأعطيته عصا معي ، أو قال : قطعت له عصا من شجرة ، ثم نخسه نخسات ، ثم قرعه بالعصا ، ثم قال : «اركب” فركبت فخرج - والذي بعثه بالحق - يواهق ناقته مواهقة ما تفوته ناقته ، وجعلت أكفه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حياء منه ، وجعلت أتحدث مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم
ومنها قصة الشجرتين ، وقصة تخفيف العذاب عن ميتين ، وقصة نبع الماء من بين أصابعه ، وقصة الدابة التي ألقاها البحر لما شكا المسلمون من الجوع .
روى مسلم ، وأبو نعيم ، عن والبيهقي : - رضي الله عنه - قال : جابر فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدمي فيبتعد فجلست أحدث نفسي ، فحانت مني لفتة ، فإذا أنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقبل ، وإذا الشجرتان قد افترقتا ، فقامت كل واحدة منهما على ساق ، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف وقفة فقال برأسه : «هكذا يمينا وشمالا” . ثم أقبل ، فلما انتهى إلي قال : «يا جابر : هل رأيت مقامي ؟ ” قلت : نعم يا رسول الله . جابر!
قال : «فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا وأقبل بهما ، حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك” . قال فقمت ، فأخذت حجرا فكسرته وحسرته فانزلق لي ، ثم أتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا ، ثم أقبلت أجترهما حتى إذا قمت مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري ، ثم لحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : قد فعلت يا رسول الله ، فعم ذلك ؟ قال : إني مررت بقبرين يعذبان ، فأحببت بشفاعتي أن يرحه عنهما ما دام القضيبان رطبين فأتينا العسكر ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : يا جابر ، ناد بالوضوء ، فناديت : ألا وضوء ألا وضوء ؟ يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة ، وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الماء في أشجاب له على حمازة من جريد ، فقال : «انطلق إلى فلان بن فلان الأنصاري ، فانظر هل في أشجابه من شيء ؟ جابر :
فانطلقت إليه فنظرت فلم أجد فيها قطرة ماء إلا قطرة في عزلاء شجب منها ، لو أني أفرغه بشربة يابسة ؟ فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته ، قال : «اذهب فأتني به ، فأتيته به ، فأخذه بيده ، فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو ، ويغمزه بيده ، ثم أعطانيه ، فقال : «يا ناد بجفنة” ، فقلت : يا جفنة الركب فأتيت بها تحمل ، فوضعت بين يديه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده هكذا ، فبسطها في الجفنة ، ففرق بين أصابعه ، ثم وضعها في قعر الجفنة ، وقال : «خذ يا جابر ، فصب علي ، وقل بسم الله” فرأيت الماء يفور من بين أصابعه ، ففارت الجفنة ، ودارت حتى امتلأت . فقال : «يا جابر ، ناد من كانت له حاجة بماء فأتى الناس فاستقوا . [ ص: 179 ] جابر
حتى رووا ، فقلت : هل بقي أحد له حاجة ؟ ورفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده من الجفنة ، وهي ملأى .
وشكا الناس الجوع ، فقال : «عسى الله أن يطعمكم بسيف البحر” فأتينا سيف البحر ، فألقى دابة فأورينا على شقها النار ، فشوينا ، وأكلنا وطبخنا ، وشبعنا .
قال فدخلت أنا وفلان وفلان ، حتى عد خمسة في حجاج عينها ، ما يرانا أحد حتى خرجنا ، وأخذنا ضلعا من أضلاعها ، فقوسناه ، ثم دعونا بأعظم رجل في الركب وأعظم جمل فدخل تحته ما يطأطئ رأسه . جابر : سرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة ذات الرقاع ، حتى نزلنا واديا أفيح ، وذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته ، واتبعته بإداوة من ماء ، فنظر فلم ير شيئا يستتر به ، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي ، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إحداهما ، فأخذ بغصن من أغصانها ، وقال : «انقادي علي بإذن الله تعالى” فانقادت منه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده ، حتى أنت الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها وقال : «انقادي علي بإذن الله تعالى” فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالنصف فيما بينهما لأم بينهما ، يعني جمعهما فقال : «التئما علي بإذن الله تعالى” . فالتأمتا ، قال