الخامس والعشرون : الحكمة في قطع الشجرة في إخفاء مكانها أنه لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير ، فلو سبقت لما أمن من تعظيم الجهال لها حتى ربما أفضى بهم أن لها قوة نفع وضر كما نراه الآن شاهدا فيما دونها ، وإلى ذلك أشار عمر بقوله : «كانت رحمة من الله» ، أي كان إخفاؤها بعد ذلك رحمة من الله تعالى ، ويحتمل أن يكون معنى قوله «رحمة من الله» أي كانت الشجرة موضع رحمته ومحل رضوانه لإنزاله الرضى على المؤمنين عندها . وقول عمر المسيب والد سعيد أنسيناها ، وفي لفظ نسيناها ، أي نسينا موضعها بدليل قوله :
فلم نقدر عليها .
وفي رواية عند فعمي علينا مكانها . وقول الإسماعيلي المسيب : إنهما لم يعلما مكانها ، لا يدل على عدم معرفتها أصلا ، فقد قال وابن عمر كما في الصحيح : لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة ، فهذا يدل على أنه كان يضبط مكانها بعينه ، وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها ، ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها ، قبل أن يقطعها جابر - رضي الله عنه . عمر
السادس والعشرون : جزم ابن إسحاق وابن سعد والجمهور بأن ورواه مدة الصلح عشر سنين ، عن الحاكم - رضي الله عنه - ووقع في مغازي علي ابن عائذ في حديث وغيره أنها كانت سنتين ، وكذا وقع عند ابن عباس ابن عقبة ، ويجمع بأن الذي قاله هي المدة التي وقع الصلح فيها حتى وقع نقضه على يد ابن إسحاق قريش كما سيأتي بيانه في غزوة الفتح .
وأما ما وقع في كامل ومستدرك ابن عدي والأوسط الحاكم ، من حديث للطبراني أن مدة الصلح كانت أربع سنين ، فهو مع ضعف إسناده منكر مخالف للصحيح . ابن عمر
السابع والعشرون : سهيل ، الذي كتب كتاب الصلح بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين - رضي الله عنه - كما رواه علي بن أبي طالب في كتاب الصلح عن البخاري - رضي الله عنهما - ، البراء بن عازب وعمر بن شبة من حديث ، سلمة بن الأكوع عن وإسحاق بن راهويه الزهيري . وروى عن عمر بن شبة عمرو بن سهيل بن عمرو عن أبيه قال : الكتاب عندنا كتبه محمد بن مسلمة ، ويجمع بأن أصل كتاب الصلح ، بخط - رضي الله عنه - كما في الصحيح ، ونسخ مثله علي محمد بن مسلمة لسهيل بن عمرو ، وقال الحافظ : ومن الأوهام ما ذكر [ ص: 77 ]
بعد أن روى أن اسم كاتب الكتاب بين المسلمين عمر بن شبة وقريش من طرق ، ثم روى من طريق آخر أن اسم الكاتب علي بن أبي طالب محمد بن مسلمة ، ثم قال : حدثنا يزيد بن عائشة يزيد بن عبيد الله بن محمد التيمي قال : كان اسم هشام بن عكرمة بغيضا ، وهو الذي كتب الصحيفة فشلت يده فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هشاما .
قال الحافظ : وهو غلط فاحش ، فإن الصحيفة التي كتبها هشام بن عكرمة هي التي اتفقت عليها قريش لما حصروا بني هاشم وبني عبد المطلب في الشعب ، وذلك بمكة قبل الهجرة - أي كما سبق ، فتوهم أن المراد بالصحيفة كتاب القصة التي وقعت عمر بن شبة بالحديبية ، وليست كذلك ، بل بينهما نحو عشر سنين .
الثامن والعشرون : وقع في بعض طرق حديث بعد أن ذكر البراء - رضي الله عنه - من محو «هذا ما قاضى عليه علي محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم» فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب «هذا ما قاضى عليه امتناع محمد بن عبد الله» إلى آخره ، وسيأتي الكلام على ذلك في الخصائص إن شاء الله تعالى .
التاسع والعشرون : - رضي الله عنه - من محو لفظ «رسول الله صلى الله عليه وسلم» علي من باب الأدب المستحب ، لأنه لم يفهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - تحتيم محو امتناع بنفسه ، ولهذا لم ينكر عليه ، ولو تحتم محوه بنفسه لم يجز علي تركه ، ولما أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على المخالفة . وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - لعلي «فإن لك مثلها - تعظيما - وأنت مضطهد» : أي مقهور ، - لعلي رضي الله عنه - في التحكيم كما سيأتي في ترجمته . معجزة ظاهرة لما وقع