الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومن آياته ملكوت السماوات والأرض ، وما فيها من الكواكب ، وهو الأمر كله ، ومن أدرك الكل وفاته عجائب السماوات فقد فاته الكل تحقيقا .

فالأرض ، والبحار ، والهواء ، وكل جسم سوى السماوات ، بالإضافة إلى السماوات قطرة في ، بحر ، وأصغر .

ثم انظر كيف عظم الله أمر السماوات ، والنجوم ، في كتابه ، فما من سورة إلا وتشتمل على تفخيمها في مواضع وكم من قسم في القرآن بها كقوله تعالى : والسماء ذات البروج والسماء والطارق والسماء ذات الحبك والسماء وما بناها وكقوله تعالى والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها وكقوله تعالى فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس وقوله تعالى والنجم إذا هوى فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم فقد علمت أن عجائب النطفة القذرة عجز عن معرفتها الأولون والآخرون ، وما أقسم الله بها ، فما ظنك بما أقسم الله تعالى به ! وأحال الأرزاق عليه وأضافها إليه ! فقال تعالى : وفي السماء رزقكم وما توعدون وأثنى على المتفكرين فيه ، فقال : ويتفكرون في خلق السماوات والأرض وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويل لمن قرأ هذه الآية ثم مسح بها سبلته أي تجاوزها من غير فكر وذم المعرضين عنها فقال : وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون فأي نسبة لجميع البحار والأرض إلى السماء وهي ، متغيرات على القرب والسموات صلاب شداد محفوظات عن التغير إلى أن يبلغ الكتاب أجله ، ولذلك سماه الله تعالى محفوظا ، فقال : وجعلنا السماء سقفا محفوظا وقال سبحانه وبنينا فوقكم سبعا شدادا وقال أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها فانظر إلى الملكوت لترى عجائب العز والجبروت .

ولا تظنن أن معنى النظر إلى الملكوت بأن تمد البصر إليه فترى زرقة السماء ، وضوء الكواكب ، وتفرقها ، فإن البهائم تشاركك في هذا النظر .

فإن كان هذا هو المراد فلم مدح الله تعالى إبراهيم بقوله : وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض لا بل كل ما يدرك بحاسة البصر فالقرآن يعبر عنه بالملك والشهادة ، وما غاب عن الأبصار فيعبر عنه بالغيب والملكوت ، والله تعالى عالم الغيب والشهادة ، وجبار الملك والملكوت ، ولا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء ، وهو عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول .

فأجل أيها العاقل فكرك في الملكوت ، فعسى يفتح لك ابواب السماء فتجول بقلبك في أقطارها إلى أن يقوم قلبك بين يدي عرش الرحمن فعند ذلك ربما يرجى لك أن تبلغ رتبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال : رأى قلبي ربي وهذا لأن بلوغ الأقصى لا يكون إلا بعد مجاوزة الأدنى ، وأدنى شيء إليك نفسك ثم الأرض التي هي مقرك ثم الهواء المكتنف لك ثم النبات والحيوان ، وما على وجه الأرض ، ثم عجائب الجو ، وهو ما بين السماء والأرض ، ثم السموات السبع بكواكبها ثم الكرسي ثم العرش ثم الملائكة الذين هم حملة العرش ، وخزان السماوات ثم منه تجاوز إلى النظر إلى رب العرش ، والكرسي ، والسماوات ، والأرض ، وما بينهما فبينك وبين هذه المفاوز العظيمة والمسافات الشاسعة والعقبات الشاهقة وأنت بعد لم تفرغ من العقبة القريبة النازلة وهي معرفة ظاهر نفسك ثم صرت تطلق اللسان بوقاحتك وتدعي معرفة ربك ، وتقول : قد عرفته ، وعرفت خلقه ، ففي ماذا أتفكر إلى ؟ ماذا أتطلع .

؟ فارفع الآن رأسك إلى السماء وانظر فيها ، وفي كواكبها وفي ، دورانها ، وطلوعها ، وغروبها ، وشمسها ، وقمرها ، واختلاف مشارقها ، ومغاربها ، ودؤوبها في الحركة على الدوام من غير فتور في حركتها ، ومن غير تغير في سيرها ، بل تجري جميعا في منازل مرتبة بحساب مقدر لا يزيد ولا ينقص إلى أن يطويها الله تعالى طي السجل للكتاب وتدبر عدد كواكبها وكثرتها واختلاف ألوانها فبعضها يميل إلى الحمرة وبعضها إلى البياض وبعضها إلى اللون الرصاصي ثم انظر كيفية أشكالها ، فبعضها على صورة العقرب ، وبعضها على صورة الحمل ، والثور ، والأسد والإنسان وما من صورة في الأرض إلا ولها مثال في السماء .

ثم انظر إلى مسير الشمس في فلكها في مدة سنة ثم هي تطلع في كل يوم ، وتغرب بسير آخر سخرها له خالقها ولولا طلوعها وغروبها لما اختلف الليل والنهار ولم تعرف المواقيت ولأطبق الظلام على الدوام أو الضياء على الدوام ، فكان لا يتميز وقت المعاش عن وقت الاستراحة ، فانظر كيف جعل الله تعالى الليل لباسا والنوم سباتا والنهار معاشا وانظر إلى إيلاجه الليل في النهار ، والنهار في الليل ، وإدخاله الزيادة والنقصان عليهما على ترتيب مخصوص .

وانظر إلى إمالته مسير الشمس عن وسط السماء ، حتى اختلف بسببه الصيف ، والشتاء ، والربيع ، والخريف ، فإذا انخفضت الشمس من وسط السماء في مسيرها برد الهواء ، وظهر الشتاء ، وإذا استوت في وسط السماء اشتد القيظ ، وإذا كانت فيما بينهما اعتدل الزمان .

التالي السابق


(ومن آياته ) الدالة على عظيم قدرته (ملكوت السموات، وما فيها من الكواكب، وهو الأمر كله، ومن أدرك الكل وفاته ) درك (عجائب السموات فقد فاته الكل تحقيقا، فالأرض، والبحار، والهواء، وكل جسم سوى السموات، بالإضافة إلى السموات، كقطرة في بحر، وأصغر ) من القطرة. (ثم انظر كيف عظم الله أمر السموات، والنجوم، في كتابه، فما من سورة إلا وتشتمل على تفخيمها في مواضع )منها (وكم من قسم في القرآن بها ) فالمقسم به عظيم في نفسه، ولولاه لما أقسم بها (كقوله تعالى: والسماء ذات البروج ) يعني البروج الاثني عشر، شبهت بالقصور لأنها تنزلها السيارات، وتكون فيها الثوابت أو منازل القمر أو عظام الكواكب; وقوله تعالى: ( والسماء ذات الحبك ) أي الطرائق المنظومة بالنجوم والمجرة، ومنهم من اعتبر ذلك بالطرائق المعقولة المدركة بالبصائر المشار إليه بقوله تعالى: إن في خلق السماوات والأرض الآية، وقوله تعالى: ( والسماء وما بناها وقوله ) تعالى: ( والشمس وضحاها ) أي ضوئها إذا أشرقت ( والقمر إذا تلاها ) أي [ ص: 210 ] تلا طلوعه طلوع الشمس أول الشهر أو غروبها ليلة البدر أو في الاستدارة وكمال النور (وكقوله ) تعالى: ( فلا أقسم بالخنس ) أي بالكواكب الرجع، وهي ما سوى النيرين من الكواكب السائرات، ولذلك وصفها بقوله ( الجوار الكنس ) أي السيارات التي تختفي تحت ضوء الشمس من كنس الوحش إذا دخل كناسه (وقوله ) تعالى: ( والنجم إذا هوى ) أي أقسم بخنس النجم خاصة أو الثريا إذا غرب أو انتشر يوم القيامة أو انقض أو طلع، فإنه يقال هوى بالفتح إذا سقط وغرب (وقوله ) تعالى: ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) أي بمساقطها، وتخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها، والدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره أو بمنازلها ومجاريها ( وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) لما في المقسم به من الدلائل على عظيم القدرة، وكمال الحكمة، وفرط الرحمة. ومن مقتضيات رحمته أن لا يترك عباده سدى، وهو اعتراض في اعتراض، فإنه اعتراض بين المقسم والمقسم عليه، ولو تعلمون اعتراض بين الموصوف والصفة .

(فقد علمت أن عجائب النطفة القذرة عجز عن معرفتها الأولون والآخرون، وما أقسم الله بها، فما ظنك بما أقسم الله تعالى به! وأحال الأرزاق عليه وأضافها إليه! فقال: وفي السماء رزقكم وما توعدون وأثنى على المتفكرين فيه، فقال: ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) ربنا ما خلقت هذا باطلا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل لمن قرأ هذه الآية ثم مسح بها سبلته ) . رواه الديلمي من حديث عائشة بلفظ: ثم لم يتفكر فيها، وقد تقدم قريبا (أي تجاوزها من غير تفكر ) ، وقد تقدم نحوه عن الأوزاعي. (وذم المعرضين عنها فقال: وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ) أي لا يتفكرون فيها (فأي نسبة لجميع البحار والأرض إلى السماء، وهذه متغيرات على القرب والسموات صلاب شداد محفوظات عن التغير إلى أن يبلغ الكتاب أجله، ولذلك سماه الله تعالى محفوظا، فقال: وجعلنا السماء سقفا محفوظا وقال ) تعالى: ( وبنينا فوقكم سبعا شدادا ) أي ذات صلابة (وقال ) تعالى: ( أأنتم أشد خلقا ) أي أصعب ( أم السماء ) ثم بين شدته بقوله: ( بناها ) ثم بين كيفية بنائه بقوله: ( رفع سمكها ) أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض أو تحتها الذاهب في العلو رفيعا ( فسواها ) أي عدلها أو جعلها مستوية أو تممها بما يتم به كمالها من الكواكب والتدابير وغيرها من قولهم: سوى فلان أمره إذا أصلحه .

(فانظر إلى الملكوت لترى عجائب العز والجبروت، ولا تظن أن معنى النظر إلى الملكوت بأن تمد البصر إليه فترى زرقة السماء، وضوء الكواكب، وتفرقها، فإن البهائم تشاركك في هذا النظر ) فإن قلت: لم كانت السماء ترى زرقاء وهي عند أهل الهيئة لا لون لها؟ فالجواب أنها غير مرئية، وما لا يرى يرى مظلما كمدا، فالأعمى إذا سئل ماذا ترى يقول ظلام أسود، وإذا كانت بهذا الطريق سوداء وتحتها الهواء شفاف مضيء والبصر يخترقه فتراه كأنه في السماء كما يتوهم الرطوبة في الشتاء في الكواكب فيحصل من صفاء الهواء وظلمة البصر في السماء زرقة لأنها شأن اختلاط الأسود بالصافي. (فإن كان هذا هو المراد فلم مدح الله تعالى ) في كتابه العزيز (إبراهيم ) عليه السلام (بقوله: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض لا بل كل ما يدرك بحاسة البصر فالقرآن يعبر عنه بالملك والشهادة، وما غاب عن الأبصار فيعبر عنه بالغيب والملكوت، والله تعالى عالم الغيب والشهادة، وجبار الملك والملكوت، ولا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء، وهو عالم الغيب فلا يطلع على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) وكل ذلك في القرآن .

(فأطل أيها العاقل فكرك في الملكوت، فعسى يفتح لك أبواب السماء فتجول بقلبك في أقطارها ) وتعتبر بما فيها (إلى أن يقوم قلبك بين يدي عرش الرحمن ) ملاحظا جلاله، وعزه، وكبرياءه (فعند ذلك ربما يرجى لك أن تبلغ رتبة عمر بن الخطاب- [ ص: 211 ] رضي الله عنه- حيث قال: رأى قلبي ربي ) . وهكذا تكون الرؤية القلبية (وهذا لأن بلوغ الأقصى لا يكون إلا بعد مجاوزة الأدنى، وأدنى شيء إليك نفسك ثم الأرض التي هي مقرك ثم الهواء المكتنف لك ثم النبات والحيوان، وما على وجه الأرض، ثم عجائب الجو، وهو ما بين السماء والأرض، ثم السموات السبع بكواكبها ثم الكرسي ثم العرش ثم الملائكة الذين هم حملة العرش، وخزان السموات ثم منه تجاوز إلى النظر إلى رب العرش، والكرسي، والسموات، والأرض، وما بينهما ) العزيز القهار جل جلاله. (فبينك وبينه هذه المفاوز الفيح ) أي الواسعة الأطراف (والمسافات الشاسعة ) أي البعيدة (والعقبات الشاهقة ) أي المرتفعة الصعبة (وأنت بعد لم تفرغ من العقبة القريبة النازلة ) بالإضافة إلى بقية العقبات (وهي معرفة ظاهر نفسك ثم صرت تطلق اللسان بوقاحتك ) وقلة حيائك (وتدعي معرفة ربك، وتقول: قد عرفته، وعرفت خلقه، ففي ماذا أتفكر؟ وإلى ماذا أتطلع؟ فارفع الآن رأسك إلى السماء وانظر فيها، وفي كواكبها، وفي دورانها، وطلوعها، وغروبها، وشمسها، وقمرها، واختلاف مشارقها، ومغاربها، ودؤوبها في الحركة على الدوام من غير فتور في حركتها، ومن غير تغير في سيرها، بل تجري جميعا في منازل ) معلومة (مرتبة ) ترتيبا غريبا (بحساب مقدر لا يزيد ولا ينقص إلى أن يطويها الله تعالى طي السجل للكتاب ) كما قال تعالى: يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ، (وتدبر عدد كواكبها وكثرتها ) .

وعلماء الأوائل لما أرادوا تمييزها قسموا الفلك نصفين بالدائرة التي هي مجرى رؤوس برجي الاستواء، وهما: الحمل والميزان; وسموا أحد النصفين جنوبيا، والآخر شماليا، وسموا ما وقع منهما من الكواكب والمنازل كذلك، وسمت العرب الشمالية "شامية"، والجنوبية "يمانية"، فمن الشمالية "بنات نعش الصغرى"، وهي سبعة كواكب، أربعة مربعة منها "الفرقدان"، وكوكبان آخران معهما، ومنها "بنات نعش الكبرى"، وهي أيضا سبعة كواكب، الأول من البنات الذي هو في الطرف يسمى "القائد"، والأوسط "العناق"، والثالث والذي يلي النعش "الجون"، وإلى جانب الأوسط كوكب صغير يقال له "الشهي"، و"العيدق". وبالقرب من الفرقدين كوكبان مقترنان بينهما رأي العين نحو قامة، إذا اعترض الفرقدان انتصبا، وإذا انتصب الفرقدان اعترضا، يسميان "الحرين"، و"الذئبين"، و"العوهقين"، وقدامهما كواكب تسمى "أظفار الذئب"، ومنها كوكبان فوق الجدي يسميان "الفرق"، وعند الأعلى منهما كواكب صغار مستديرة تسمى "القدر"، ومنها "الأسافي"، وهي كواكب ثلاثة أسفل من القدر، ومنها "القرحة"، وهي كوكب أسفل من الفرق، وهي قبلة الكوفة ومنها "الهلبة"، وهي كواكب ملتفة متقاربة كأنها الثريا، وتسمى أيضا "السنبلة"، ومنها كوكب "الأسد"، وهو منفرد فيما بين "الهلبة" وبين البنات من "بنات نعش الكبرى" .

ومنها "الصرفة"، وهو كوكب نير منفرد على إثر الزبرة، ومنها "النوافذ" وهي كواكب ثلاثة كل نفزة منها كوكبان متقاربان، وتسمى أيضا "القرائن"، و"الثعيلبات"، ومنها "الظباء"، وهي كواكب خفية مستطيلة مثل الحبل الممدود من الهلبة إلى العيوق. وهنالك "العوائذ"، وهي كواكب أربعة مربعة في وسطها كوكب سحابي كأنه لطخة غيم يسمى "الربع". ومنها الفكة وهي كواكب مستديرة فيها فرجة والعامة تسميها "قصعة المساكين"، وبالقرب منها "رؤية السماك"، وهو كوكب منتبذ يعارضه كوكب بالقرب منه كأنه عذبة في رمح، وكذلك قيل له "الرامح"، و"ذو السلاح". ويقال لما بين النسقين الشامي واليماني "الروضة"، وفي داخلها كوكب أبيض منفرد يقال له "الراعي"، وبالقرب منه كواكب صغار يقولون هي غنمة يرعاها في الروضة. وفي أضعاف تلك الكواكب كوكب صغير وباص يقولون هو كلبه .

ومنها "النسر الواقع" وهو كوكب أزهر خلفه كوكبان كأنهما وإياه أثافي قدر، وهناك نسر آخر يقال له "الطائر"، وهي ثلاثة كواكب مصطفة، والأوسط منها هو أنورها، ومنها "الفوارس"، وهي كواكب أربعة مصطفة وراء النسر الواقع ووراءها كوكب أزهر منفرد وسط المجرة يسمى "الردف". ومنها "الصليب"، وهي كواكب أربعة متقاربة مصلبة النظم بالقرب من النسر الطائر، وتسمى أيضا "القعود". ومنها "كف الثريا الخضيب"، وهي خمسة بيض مختلفة النظم [ ص: 212 ] وراء الردف، وهي أيضا "سنام الناقة". وتحت الكف الخضيب كواكب غير مبينة النظام هي "جفرة الناقة"، وهناك لطخة سحابية هي "وسم الناقة". ووراء الكف الخضيب "العيوق" وهو كوكب عظيم نير في حاشية المجرة، ووراء "العيوق" كواكب ثلاثة زهر مصطفة منفرجة متقوسة تسمى "توابع العيوق" و"الأعلام"، ومنهما "العاتق" وهو كوكب نير بالقرب من "الثريا" ثم "المنكب" ثم "المرفق"، وتحت "المرفق" كوكب صغير يسمى "إبرة المرفق"، ويقال لما بين "المرفق والمنكب" "عضد الثريا"، وبعد "المرفق" "المعصم"، ويقال لما بين "المرفق" و"المعصم" "الساعد" و"السويعد" .

وهناك كوكب بين في صورة مثلثة يسمى "رأس الغول"، وبالقرب منه كوكب نير منفرد يسمى "عناق الأرض"، وعند "بنات نعش كواكب" يقال لها "الحية"، وعند أسفله كوكب أحمر يقال له "الذيخ"، وهناك كواكب أخر يقال لها "الضباع" و"أولاد الضباع" كواكب صغار عن يمين "الضباع"، و"الشاء" كواكب صغار بين "القرحة" و"الجدي" و"الراعي" كوكب أنور من كواكب الشاء، و"الخباء" كواكب أسفل من الحوض، وخلف "العاتق" كوكبان يسميان "المزحف" و"البرجيس"، وهما تحت المجرة. فهذه جملة الكواكب المشهورة من الشامية .

وأما الكواكب اليمانية فمنها منكبا الجوزاء الأيمن منهما كوكب أحمر وهو "مرزم الجوزاء"، والأيسر يسمى "الناجذ"، وفي وسط الجوزاء كواكب بيض ثلاثة تسمى "النظم"، ومنها "رجل الجوزاء اليمنى" كوكب أبيض صغير، واليسرى كوكب أبيض وباص أكبر من اليسرى، وتحت كل واحد منهما كواكب أربعة تسمى "كرسي الجوزاء"، وفوق رأس الجوزاء كواكب صغار تسمى "تاج الجوزاء"، و"ذوائب الجوزاء". ومنها "الشعرى العبور"، وهو كوكب عظيم وباص أسفل الجوزاء على اليسار، وهناك ثلاثة كواكب بيض مختلفة التثليث تسمى "عذرة الجوزاء"، وخمسة أخرى تسمى "العذارى"، وهي في حاشية المجرة. ومنها "الخيل" وهي كواكب أكثر من العشرة نيرة، وفيها ستة في ثلاثة أمكنة متفرقة، في كل مكان منها كوكبان، وبين كواكب الخيل كواكب صغار تسمى "أفلاء الخيل"، وهي كلها بين يدي الشولة فوق المجرة، وأسفل من شولة العقرب كواكب تسمى "القبة"، وبين الزبانيين وبين عرش السمك كواكب مجتمعة نيرة على غير نظم تسمى "الشماريخ". ومنها "سهيل"، وهو كوكب عظيم منير أحمر منفرد عن الكواكب، ولقرب مجراه من الأفق تراه أبدا كأنه يضطرب، وهو في سمت الشعرى العبور .

وفي مجرى سهيل كوكبان يقال لهما "حضار" و"الوزن"، وهما يطلعان قبل سهيل، وفي مجرى قدمي سهيل كواكب زهر تسمى "الأعيار"، ومنها "السعودات" وهي ستة متناسقة في جهة الدلو، وكل سعد منها كوكبان، وهي كواكب خفية غير نيرة منها "سعد ناشرة" ثم "سعد الملك" ثم "سعد البهام" ثم "سعد الربق" ثم "سعد البارع" ثم "سعد مطر"، ومنها "الشراسيف" وهي كواكب مستطيلة مثل الحبل، وبعدها كواكب مستديرة متبددة يقال لها "المعلف"، ومنها "الصردان واليمامتان والقطا والظليمان"، ومنها "السفينة" وهي كواكب خفية متتابعة مقدمها عند "سعد البهام" ومؤخرها عند "السمكة" وفي مقدمها "الضفدع الأولى"، وفي مؤخرها "الضفدع الثانية". فهذه مشاهير الكواكب اليمانية .

وقد ميز قدماء العلماء كواكب السماء على وجه الدهر، فجعلوها في منازل سبعة من الأقدار، فجعلوا كبارها في القدر الأول، وهي التي تسميها "الدراري"، و"الزهرة"، و"الشعرى العبور"، هما أنور نجوم السماء، والذي أحصى العلماء من دراري النجوم كلها سوى الخمسة المتحيرة خمسة عشر كوكبا، وهي التي في القدر الأول من العظم، وهي: "الشعريان وسهيل والمحنث والعيوق والسماكان والدبران وقلب الأسد والنسر الواقع والصرفة ومنكب الجوزاء ورجلها". وما دون هذه، وهي في القدر الثاني من العظم، خمسة وأربعون كوكبا وهي: "كالفرقدين وبنات نعش الكبرى والردف ورأس الغول والعناق وقلب العقرب والنسر الطائر وثلاثة من العراقي وكوكبي الذراع المبسوطة وثلاثة كواكب من الجبهة والفرد وأشباه هذه مما تركنا ذكره لقلة الحاجة إليه في هذا الموضع"; وكذلك تركنا ذكر سائر ما في الأقدار الباقية لأن هذا الكتاب ليس من مواضع ذكرها. وأما المجرة فهي أم النجوم لكثرة عدد نجومها، وتسمى أيضا "القديمة" .

(و ) انظر إلى (اختلاف ألوانها فبعضها يميل إلى الحمرة ) كأنه شعلة نار (وبعضها إلى البياض ) الناصع [ ص: 213 ] (وبعضها إلى اللون الرصاصي ) كأنه لطخ سحاب كما تقدم ذلك. (ثم انظر كيفية أشكالها، فبعضها على صورة العقرب، وبعضها على صورة الحمل، والثور، والأسد ) والسرطان، والجدي، والحوت، وهي البروج السبعة (والإنسان ) . قال الدينوري: "ويشبه الجوزاء بصورة الإنسان في المنظر، وهو البرج الثالث"، وقد تقدم ذكر كواكب الجوزاء. (وما من صورة فى الأرض إلا ولها مثال في السماء ) ويزيد صورا كثيرة لا يوجد لها مثال في الأرض (ثم انظر إلى مسير الشمس في فلكها في مدة سنة ثم هي تطلع في كل يوم، وتغرب بسير آخر سخرها له خالقها ) جل وعلا (ولولا طلوعها وغروبها لما اختلف الليل والنهار ) واختلافهما من الآيات (ولم تعرف المواقيت ) قال الله تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس (ولأطبق الظلام على الدوام أو الضياء على الدوام، فكان لا يتميز وقت المعاش عن وقت الاستراحة، فانظر كيف جعل الله الليل لباسا ) أي غطاء يستر بظلمته من أراد الاختفاء (والنهار معاشا ) أي وقت معاش يتقلبون فيه لتحصيل ما يعيشون به. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في "العظمة"، عن ابن عمر قال: "لو أن الشمس تجري مجرى واحدا ما انتفع أحد من أهل الأرض بشيء منها، ولكنها تحلق في الصيف، وتعترض في الشتاء، فلو أنها طلعت مطلعها في الشتاء في الصيف لأنضجهم الحر، ولو أنها طلعت مطلعها في الصيف في الشتاء لقطعهم البرد.

(وانظر إلى إيلاجه الليل في النهار، والنهار في الليل، وإدخاله الزيادة والنقصان عليهما على ترتيب مخصوص ) فيدخل الليل في النهار حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة، ويولج النهار في الليل حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة، والنهار تسع ساعات، فما نقص من أحدهما زاد في الآخر، وذلك بحسب مطالع الليل ومغاربه. (وانظر إلى إمالته مسير الشمس عن وسط السماء، حتى اختلف بسببه الصيف، والشتاء، والربيع، والخريف، فإذا انخفضت الشمس من وسط السماء في مسيرها برد الهواء، وظهر الشتاء، وإذا استوت في وسط السماء اشتد القيظ، وإذا كانت فيما بينهما اعتدل الزمان ) .

اعلم أن مشرق الشمس في أطول يوم في السنة، وذلك قريب من مطلع السماك الرامح، وكذلك مغرب الصيف هو على نحو ذلك من مغرب السماك الرامح، ومشرق الشتاء مطلع الشمس في أقصر يوم من السنة، وهو قريب من مطلع قلب العقرب، وكذلك مغرب الشتاء هو على نحو ذلك من مغرب قلب العقرب. فمشارق الأيام ومغاربها في جميع السنة هي كل ما بين هذين المشرقين والمغربين; فإذا طلعت الشمس من أخفض مطالعها في أقصر يوم من السنة لم تزل بعد ذلك ترتفع في المطالع; فتطلع كل يوم من مطلع فوق مطلعها بالأمس طالبة مشرق الصيف، فلا تزال على ذلك حتى تتوسط المشرقين، وذلك عند استواء الليل والنهار في الربيع، فذلك مشرق الاستواء، وهو قريب من مطلع السماك الأعزل. ثم تستمر على حالها من الارتفاع في المطالع إلى أن تبلغ مشرق الصيف الذي بيناه، فإذا بلغته كرت راجعة في المطالع منحدرة نحو مشرق الاستواء، حتى إذا بلغته استوى الليل والنهار في الخريف، ثم استمرت منحدرة حتى تبلغ منتهى مشارق الشتاء الذي بيناه فهذا دأبها، وكذلك شأنها في المغارب على قياس ما ذكرنا في المطالع .




الخدمات العلمية