الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : " ما آتى الله عالما علما إلا وأخذ عليه من الميثاق ما أخذ على النبيين أن يبينوه للناس ولا يكتموه " وقال تعالى ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال تعالى ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وقال تعالى ويعلمهم الكتاب والحكمة وأما الأخبار فقوله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن : " لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها .

وقال صلى الله عليه وسلم : " من تعلم بابا من العلم ليعلم الناس أعطي ثواب سبعين صديقا " وقال عيسى صلى الله عليه وسلم : " من علم وعمل وعلم فذلك يدعى عظيما في ملكوت السموات .

" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة يقول الله سبحانه للعابدين والمجاهدين : ادخلوا الجنة ، فيقول العلماء : بفضل علمنا تعبدوا وجاهدوا ، فيقول الله عز وجل : أنتم عندي كبعض ملائكتي ، اشفعوا تشفعوا ، فيشفعون ، ثم يدخلون الجنة " وهذا إنما يكون بالعلم المتعدى بالتعليم لا العلم اللازم الذي لا يتعدى .

وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل لا ينتزع العلم انتزاعا من الناس بعد أن يؤتيهم إياه ، ولكن يذهب بذهاب العلماء ، فكلما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم ، حتى إذا لم يبق إلا رؤساء جهالا إن سئلوا أفتوا بغير علم فيضلون ويضلون " وقال صلى الله عليه وسلم : " من علم علما فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار " وقال صلى الله عليه وسلم : " نعم العطية ونعم الهدية كلمة حكمة تسمعها فتطوي عليها ، ثم تحملها إلى أخ لك مسلم تعلمه إياها ، تعدل عبادة سنة " وقال صلى الله عليه وسلم : الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله سبحانه وما والاه أو معلما أو متعلما

التالي السابق


(أما الأخبار: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما آتى الله عالما علما إلا أخذ عليه من الميثاق ما أخذ من النبيين أن يبينه للناس ولا يكتمه") قال العراقي: يروى عن أبي هريرة، وابن مسعود .

أما حديث أبي هريرة: فرويناه في جزء ابن نظيف، وفي فوائد الخلعي من طريقه من رواية موسى بن محمد، عن زيد بن مسور، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، رفعه، وفيه: "أن لا يكتم" وموسى بن محمد البلقاوي كذبه أبو زرعة وأبو حاتم وغيرهما .

ورواه ابن الجوزي في العلل المتناهية من طريقه، وأعله به، وقد رواه الديلمي في مسند الفردوس من رواية عبد الملك بن عطية، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، وعبد الملك بن عطية قال فيه الأزدي: ليس حديثه بالقائم .

وأما حديث ابن مسعود فرواه أبو نعيم في فضل العالم العفيف من رواية عبد الله بن صالح، عن محمد بن عبد الله الموصلي، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليس من عالم إلا وقد أخذ الله عليه ميثاقه يوم أخذ ميثاق النبيين" وعبد الله بن صالح مختلف في الاحتجاج به. اهـ .

قلت: أما حديث أبي هريرة فقد أخرجه العراقي في جزء له ألفه في الذب عن مسند الإمام أحمد، وساق سنده إلى محمد بن الفضل بن نظيف، أخبرنا أحمد بن الحسين الرازي، أخبرنا بكر بن سهل الدمياطي، حدثنا موسى بن محمد، فذكره، ثم قال: موسى بن محمد هو البلقاوي، متهم، لكن له شاهد بإسناد صالح من حديث ابن مسعود، رويناه في كتاب فضل العالم العفيف لأبي نعيم، وقال تلميذه الحافظ ابن حجر في القول المسدد بعد أن نقل كلام شيخه هذا: واحتجاجه بهذا الحديث، واعترافه بأن موسى البلقاوي متهم، أي أن الحفاظ اتهموه بالكذب - لا يصح؛ لأنه إذا لذلك لا يحتج بحديثه .

وقد أخرج أبو نعيم في الحلية هذا الحديث من وجه آخر عن أبي هريرة، وفيه من لا يعرف، وهو من رواية محمد بن عبدة القاضي، وكان يدعي سماع ما لم يسمع، وهو مشهور. اهـ كلام الحافظ .

وقد أورد الديلمي في الفردوس هذا الحديث عن أبي هريرة وساقه، ثم قال: وفي الباب عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب، ولفظ الأخير: "ما أخذ الله ميثاق الجاهل أن يتعلم حتى أخذ ميثاق العالم أن يعلمه".

(وقال صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من [ ص: 106 ] الدنيا وما فيها") وفي نسخة: "خير لك من حمر النعم".

قال العراقي: رواه أحمد في مسنده، قال: حدثنا حيوة بن شريح، حدثني بقية، حدثني ضبارة بن عبد الله، عن دريد بن نافع، عن معاذ بن نافع، عن معاذ بن جبل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "يا معاذ لأن يهدي الله على يديك رجلا من أهل الشرك خير لك من أن تكون لك حمر النعم" وإسناده منقطع؛ لأن دريد بن نافع لم يسمع من أحد من الصحابة، إنما أرسل عنهم. اهـ .

قلت: حمر النعم خيارها وأفضلها عند أهلها، وفيه دليل على فضل العلم وجليل منزلة أهله؛ حيث إذا اهتدى رجل واحد بالعلم خير له من تلك، فما الظن بمن يهتدي على يديه كل يوم طوائف من الناس. قال العراقي: وفي الباب عن سهل بن سعد، رواه البخاري ومسلم والنسائي من رواية أبي حازم، عن سهل بن سعد في قصة بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب إلى خيبر، وفي آخره: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن تكون لك حمر النعم" اهـ .

قلت: ولفظ البخاري في الصحيح: حدثنا قتيبة، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، أخبرني سهل بن سعد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر: "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه" فذكر الحديث في طلبه عليا وإعطائه الراية، وفيه: "فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: اقعد على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن تكون لك حمر النعم".

وأخرج الطبراني والترمذي الحكيم عن أبي رافع قال: "بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليا إلى اليمن، فعقد له لواء، فلما مضى قال: يا أبا رافع الحقه، ولا تدعه من خلفه، وليقف ولا يلتفت حتى أجيئه، فأتاه فأوصاه بما شاء، وقال: لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت".

قال البيهقي: فيه يزيد بن أبي زياد مولى ابن عباس، ذكره المزي في الرواية عن أبي رافع، وابن حبان في الثقات .

وأخرج أبو داود عن سهل بن سعيد بلفظ: "والله لأن يهدى بهداك رجل خير لك من حمر النعم".

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات") لم يخرجه العراقي، وفي بعض النسخ: وقال عيسى عليه السلام، وهكذا أخرجه أبو خيثمة زهير بن حرب النسائي في كتاب العلم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن بشير بن منصور، عن ثور، عن عبد العزيز بن ظبيان قال: قال المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام-: "من تعلم وعلم وعمل فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماء".

وأخرج ابن الجوزي في كتاب ترجمة سفيان الثوري بسنده إلى شعيب بن حرب، عن سفيان قال: "من علم وعمل وعلم دعي عظيما في ملكوت السماء" اهـ .

وقال الترمذي: سمعت أبا عمار الحسين بن حريث الخزاعي قال سمعت الفضيل بن عياض يقول: "عالم عامل معلم يدعى كبيرا في ملكوت السماء".

قلت: وقد روي مرفوعا من حديث ابن عمر أخرجه الديلمي في مسند الفردوس، ولفظه: "من تعلم لله، وعمل لله، كتب في ملكوت السماوات والأرض عظيما".

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من تعلم بابا من العلم ليعلم الناس أعطي ثواب سبعين صديقا") .

قال العراقي: رواه الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي عبد الله الحاكم، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا جعفر بن سهل المذكور، حدثنا محمد بن مروان الأميدي، حدثنا الجارود بن يزيد، حدثنا محمد بن علاثة القاضي، حدثنا عبدة بن أبي أمامة، عن الأسود بن يزيد، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من تعلم بابا من العلم ليعلمه الناس ابتغاء وجه الله أعطاه الله أجر سبعين نبيا" كذا قال: "نبيا" وهو منكر، وجعفر بن سهل والجارود بن سهل كذابان، ومحمد بن عبد الله بن علاثة القاضي مختلف في الاحتجاج به. اهـ .

قلت: وفي الفردوس للديلمي، عن أنس: "من تعلم بابا من العلم وعمل به حشره الله يوم القيامة مع المتقدمين الأخيار الأبرار الأتقياء، وله في الجنة سبعون قهرمانا".

قال العراقي: وللطبراني في المعجم الكبير من رواية يوسف بن عطية، قال: حدثنا مرزوق أبو عبد الله الحمصي، عن مكحول، عن أبي أمامة رفعه: "أيما ناشئ نشأ في طلب العلم [ ص: 107 ] والعبادة حتى يكبر أعطاه الله يوم القيامة ثواب اثنين وسبعين صديقا" ويوسف بن عطية الصفار منكر الحديث .

ورواه الطبراني في مسند الشاميين من رواية أبي سنان الشامي، عن مكحول، مقتصرا على ذكر العبادة، وقال: "أجر تسعة وتسعين صديقا" وأبو سنان هو القسملي، مختلف فيه .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى للعابدين المجاهدين: ادخلوا الجنة، فيقول العلماء: بفضل علمنا تعبدوا وجاهدوا، فيقول الله تعالى: أنتم عندي كبعض ملائكتي، اشفعوا تشفعوا، فيشفعون، ثم يدخلون الجنة") .

قال العراقي: رواه المرهبي في العلم عن رواية محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم القيامة يجمع الله العلماء والغزاة والمرابطين وأهل الصوم والصلاة والزكاة والحج، فيقول للمرابطين والغزاة وأصناف الخير: ادخلوا الجنة، فيصيح العلماء صيحة واحدة، فيقولون: يا ربنا بفضل علمنا جاهدوا ورابطوا وصاموا وصلوا وزكوا وحجوا، فيقول الله عز وجل: لستم عندي في عداد أولئك، أنتم عندي في عداد الملائكة، قفوا حتى تشفعوا لمن أحببتم، ثم تدخلوا الجنة" ومحمد بن السائب الكلبي ضعيف جدا .

ورواه ابن السني مختصرا في رياضة المتعلمين من رواية حبيب بن أبي حبيب، حدثنا شبل بن عباد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، رفعه: "يبعث العالم والعابد فيقال للعابد: ادخل الجنة، ويقال للعالم: أتيت تشفع للناس كما أحسنت أدبهم" وحبيب بن أبي حبيب هو كاتب مالك، كذبه ابن معين وغيره .

وقد رواه ابن عبد البر في العلم فقال: فيه حبيب بن إبراهيم، قال: حدثنا شبل بن العلاء، عن محمد بن المنكدر، والصواب ما تقدم من أنه شبل بن عباد، وهو القارئ المكي، وقد أخرج له البخاري، وحبيب بن إبراهيم هو كاتب مالك، واسم أبيه إبراهيم على أحد الأقوال، وقيل: مرزوق، وقيل: زريق. اهـ .

قلت: وحديث جابر هذا قد أخرجه أيضا ابن عدي في الكامل، والبيهقي، وضعفه .

قال العراقي: وروى الأصبهاني في الترغيب والترهيب من طريق ابن أبي عاصم: حدثنا الحلواني، حدثنا حازم بن خزيمة، عن عثمان بن عمر القرشي، عن مكحول، عن أبي أمامة، رفعه: "يجاء بالعالم والعابد، فيقال للعابد: ادخل الجنة، ويقال للعالم: قف حتى تشفع للناس" وحازم بن خزيمة هو أبو خزيمة البخاري، قال السليماني: فيه نظر .

قلت: ورواه ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس بلفظ: "إذا كان يوم القيامة يؤتى بالعابد والفقيه، فيقال للعابد: ادخل الجنة، ويقال للفقيه: اشفع تشفع".

ويروى أيضا: "إذا كان يوم القيامة يقول الله للعابد: ادخل الجنة، فإنما كانت منفعتك لنفسك، ويقال للعالم: اشفع تشفع، فإنما كانت منفعتك للناس" انتهى .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا ينزع العلم انتزاعا من الناس بعد أن يؤتيهم إياه، ولكن يذهب بذهاب العلماء، فكلما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم، حتى إذا لم يبق إلا رؤساء جهالا إن يسألوا أفتوا بغير علم فيضلون ويضلون") .

قال العراقي: أخرجه الستة خلا أبا داود من رواية عروة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رفعه، ولفظهم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا" لفظ مسلم، وقال البخاري: "من العباد" بدل "من الناس"، وقال: "حتى إذا لم يبق" .

وفي رواية له: "إن الله لا ينتزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال، يستفتون فيفتون برأيهم، فيضلون ويضلون".

وفي لفظ لمسلم: "إن الله لا ينزع العلم انتزاعا ولكن يقبض العلماء فينتزع العلم معهم، ويبقي في الناس رؤساء جهالا، يفتونهم بغير علم فيضلون ويضلون".

وفي رواية لعبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة: "إن الله لا ينتزع العلم من الناس بعد أن يعطيهم إياه، ولكن يذهب بالعلماء، كلما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم، حتى يبقى من لا يعلم، فيضلوا ويضلوا" رواه النسائي. اهـ .

قلت: ورواه الإمام أحمد في مسنده وسياقه كسياق البخاري، وزاد الترمذي: حسن صحيح .

وأخرجه الخلعي في فوائده، وزاد في آخره: "عن سواء السبيل" .

وأخرجه ابن عساكر برواية يحيى بن يحيى بن عبد الرحمن، عن عباد بن عباد، ومن طريق هشام بن عمار، عن عبد الله بن الحارث الجمحي، كلاهما [ ص: 108 ] عن هشام بن عروة، عن أبيه .

وقال الحافظ ابن حجر: قد اشتهر هذا الحديث من رواية هشام، فوقع لنا من رواية أكثر من سبعين نفسا عنه. اهـ .

قلت: منها ما أخرجه البخاري في العلم عن أبي أويس، عن مالك، عن هشام. ورواه مسلم في القدر، عن قتيبة، عن جرير، عن أبي الربيع الزهراني، عن حماد بن زيد، وعن يحيى بن يحيى، عن عباد بن عباد، وأبي معاوية. وعن أبي بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، كلاهما عن وكيع. وعن أبي كريب، عن أبي عبد الله بن إدريس، وأبي أسامة، وعبد الله بن نمير، وعبدة بن سليمان. وعن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة. وعن محمد بن حاتم، عن يحيى بن سعيد. وعن أبي بكر بن نافع، عن عمر بن علي المديني. وعن عبد بن حميد، عن يزيد بن هارون، عن شعبة، الثلاثة عشر كلهم عن هشام.

ويروى أيضا من حديث عائشة وأبي هريرة وأبي سعيد، فحديث عائشة عند البزار من رواية يونس عن الزهري عن عروة عنها، وقال: تفرد به يونس.

وأما حديث أبي هريرة فعند الطبراني في الأوسط من رواية العلاء بن سليمان الرقي، عن الزهري، عن أبي سلمة عنه، وقال: تفرد به العلاء.

وأما حديث أبي سعيد فرواه الطبراني فيه أيضا من رواية عمرو بن الحارث، عن دراج، عن أبي الهيثم عنه، وقال: تفرد به الحجاج بن رشدين، عن أبيه، عن عمرو بن الحارث.

وقد جمع في طرق هذا الحديث الحافظ أبو بكر الخطيب جزءا حافلا .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من علم علما فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار") يروى هذا عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وأبي سعيد، وأنس بن مالك، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وطلق بن علي، وجابر، ولا يصح منها إلا حديث أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وابن عباس، ولم أره بلفظ المصنف إلا في تاريخ ابن النجار، عن ابن عمرو، إلا أن فيه: "ثم كتمه" .

أما حديث أبي هريرة: قال العراقي: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من رواية علي بن الحكم، عن عطاء بن أبي رباح عنه، رفعه، ولفظه: "من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة" لفظ أبي داود .

وقال الترمذي: "من سئل عن علم علمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار" وقال: حديث حسن .

وقال ابن ماجه: "ما من رجل يحفظ علما فيكتمه إلا أتى يوم القيامة ملجما بلجام من نار".

وقال ابن حبان: "من كتم علما يلجم بلجام من نار يوم القيامة".

ورواه الحاكم في المستدرك من رواية القاسم بن محمد بن حماد، عن أحمد بن عبد الله بن يونس، عن محمد بن ثور، عن ابن جريج، قال: جاء الأعمش إلى عطاء فسأله عن حديث، فحدثه، فقلت له: تحدث هذا وهو عراقي؟ فقال: لأني سمعت أبا هريرة يحدث عن النبي -صلى الله عليه سلم- قال: "من سئل عن علم فكتمه جيء به يوم القيامة ملجما بلجام من نار" وقال: هذا حديث حسن صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .

قال العراقي: لا يصح من هذا الطريق؛ لضعف القاسم بن محمد بن حماد الدلال الكوفي، قال الدارقطني: حدثنا عنه وهو ضعيف؛ فلهذا لم أخرجه من هذا الوجه .

قال الدارقطني في الجزء السابع من الأفراد: وإنما يعرف هذا من حديث علي بن الحكم، عن عطاء، عن أبي هريرة، ثم قال الحاكم: ذاكرت شيخنا أبا علي بهذا الباب، ثم سألته: هل يصح شيء من هذه الأسانيد عن عطاء؟ فقال: لا، قلت: لم؟ قال: لأن عطاء لم يسمعه من أبي هريرة.

ثم رواه له أبو علي، عن محمد بن أحمد بن سعيد الواسطي، عن أزهر بن مروان، عن عبد الوارث بن سعيد، عن علي بن الحكم، عن عطاء، عن رجل، عن أبي هريرة، قال الحاكم: فقلت له: قد أخطأ فيه أزهر بن مروان أو شيخكم، وغير مستبعد منهما الوهم .

ثم رواه الحاكم من رواية مسلم بن إبراهيم، عن عبد الوارث، عن علي بن الحكم، عن رجل، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: فاستحسنه أبو علي، واعترف لي به .

قال الحاكم: ثم لما جمعت الباب وجدت جماعة ذكروا فيه سماع عطاء من أبي هريرة اهـ. وقال العراقي في إصلاح المستدرك: وقد رواه أبو داود الطيالسي، فقال: حدثنا عمارة بن زاذان، حدثنا علي بن الحكم، عن عطاء، عن أبي هريرة، رفعه: "من حفظ علما فسئل عنه فكتمه جيء به يوم القيامة ملجما بلجام من نار" وقال: هذا حديث حسن أخرجه الترمذي عن أحمد بن بديل اليامي، عن عبد الله بن نمير. وابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أسود بن عامر، كلاهما عن عمارة بن زاذان، وقد تابع عمارة عليه حماد بن سلمة.

أخرجه [ ص: 109 ] أبو داود، عن موسى بن إسماعيل عنه، وأخرجه ابن حبان في النوع التاسع والمائة من القسم الثالث، عن عبد الله بن محمد الأزدي، عن إسحاق بن إبراهيم، عن النضر بن شميل، عنه، وتابع علي بن الحكم على روايته سليمان التيمي وابن جريج.

قال العراقي: قد أعله أبو الحسن القطان في كتاب بيان الوهم والإيهام برواية عبد الوارث، وإدخاله رجلا بين علي بن الحكم وعطاء.

قال: وقد قيل: إنه حجاج بن أرطأة.

قلت: قد صح عن علي بن الحكم أنه قال في هذا الحديث: حدثنا عطاء، وهي رواية ابن ماجه، فاتصل إسناده، ثم وجدته عن جماعة صرحوا بالاتصال في الموضعين، رويناه في الجزء السادس والعشرين من فوائد تمام من رواية معاوية بن عبد الكريم، والعلاء بن خالد الدارمي، وسعيد بن راشد، قالوا حدثنا عطاء قال: سمعت أبا هريرة .

قال ابن القطان: واعلم أن له إسنادا صحيحا، ثم ذكره من طريق قاسم بن أصبغ، من رواية معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال ابن القطان: هؤلاء كلهم ثقات .

قال العراقي: له طريق آخر صحيح من رواية ابن سيرين، عن أبي هريرة، أورده ابن ماجه، وقال الحافظ ابن حجر في القول المسدد: الحديث وإن لم يكن في نهاية الصحة لكنه صالح للحجة، وهو على كل حال أولى من حديث البلقاوي، يعني الذي تقدم ذكره .

وأما حديث ابن عمرو فقال العراقي: رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، فابن حبان من طريق أبي الطاهر بن السرح، والحاكم من رواية ابن عبد الحكم، كلاهما عن ابن وهب، عن عبد الله بن عياش، عن أبيه، عن أبي عبد الرحمن الجيلي، عن عبد الله بن عمرو، رفعه، ولفظه: "من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار" قال الحاكم: هذا إسناد صحيح لا غبار عليه من حديث المصريين على شرط الشيخين، وليس له علة .

قال العراقي في إصلاح المستدرك: أما على شرط الشيخين فلا، وقد عله ابن الجوزي في العلل المتناهية بأن فيه عبد الله بن وهب الفسوي، قال ابن حبان: دجال يضع الحديث .

قال العراقي: وهذا تخليط من ابن الجوزي، وإنما هو عبد الله بن وهب الإمام، صاحب الإمام مالك، والإسناد مصريون، فلا التفات إلى كلام ابن الجوزي، ولو أعله بعبد الله بن عياش لكان له وجه، فقد ضعفه أبو داود والنسائي، وهو قريب من ابن لهيعة، وأخرج له مسلم حديثا واحدا، ووثقه ابن حبان.

قلت: وحديث ابن عمرو هذا قد أخرجه الطبراني أيضا في الكبير .

وأما حديث أبي سعيد الخدري فقال العراقي: رواه ابن ماجه من رواية محمد بن داب، عن صفوان بن سليم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، رفعه، ولفظه: "من كتم علما مما ينفع الله به من أمر الناس في الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار" ومحمد بن داب كذبه أبو زرعة. اهـ .

قلت: وفي بعض نسخ السنن: "مما ينفع الله به الناس من أمر الدين" .

أما حديث أنس قال العراقي: رواه ابن ماجه أيضا من رواية يوسف بن إبراهيم قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه سلم- يقول: "من سئل عن علم فكتمه" الحديث، ويوسف هذا ضعفه أبو حاتم والبخاري. اهـ .

قلت: وأخرج ابن عدي عن أنس: "من كتم علما عنده وأخذ عليه أجرة لقي الله يوم القيامة ملجما بلجام من نار".

وأما حديث ابن مسعود فرواه الطبراني بإسنادين ضعيفين، قاله العراقي.

قلت: ولفظه: "من كتم علما عن أهله ألجم يوم القيامة لجاما من نار" هذا لفظ أبي داود، وعند ابن عدي في الكامل والسجزي في الإبانة والخطيب في التاريخ: "من كتم علما ينتفع به ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار".

وأما حديث ابن عباس فرواه الطبراني أيضا بإسناد لا بأس به، وأبو يعلى بإسناد جيد، قاله العراقي.

قلت: ولفظه: "من كتم علما ينتفع به يعلمه" الحديث، وفي آخره زيادة ذكرناها في أول الفصل عند ذكر الآيات .

وأخرج ابن عساكر والخطيب والطبراني أيضا بلفظ: "من سئل عن علم نافع فكتمه جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار".

وأما حديث ابن عمر فقال العراقي: رواه ابن عدي في الكامل من رواية حسان بن سياه، عن الحسن بن ذكوان، عن نافع، عن ابن عمر، وقال: هذا الحديث عن نافع لا أعلم يروى إلا من هذا الوجه، وحسان بن سياه له أحاديث عامتها لا يتابعه غيره عليها، والضعف بين على رواياته وحديثه. اهـ .

قلت: وأخرجه [ ص: 110 ] كذلك الطبراني في الأوسط، والدارقطني في الأفراد بلفظ حديث أبي هريرة.

وأما حديث طلق بن علي فقال العراقي: رواه ابن عدي أيضا، والطبراني من رواية أيوب بن عتبة، عن قيس بن طلق عن أبيه، قال ابن عدي: وهذا الحديث بهذا الإسناد غريب جدا، وأيوب ضعيف، قاله ابن معين والبخاري. اهـ .

قلت: وأخرجه الخطيب أيضا من هذا الطريق .

وأما حديث جابر فأخرجه السجزي في الإبانة، والخطيب في التاريخ، بلفظ: "من كتم علما نافعا عنده" إلخ، وهذا قد أغفله العراقي كما أغفل في مخرجي حديث أبي هريرة الإمام أحمد والبيهقي.

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: "نعم العطية ونعم الهدية كلمة حكمة تسمعها فتطوي عليها، ثم تحملها إلى أخ لك مسلم فتعلمه إياها، تعدل عبادة سنة") .

قال العراقي: رواه ابن عدي في العلم من حديث ابن عباس بهذا اللفظ، ولم يذكر إسناده، وقد أسنده الطبراني فقال: حدثنا حجاج بن عمران السدوسي كاتب بكار القاضي، حدثنا عمرو بن الحصين العقيلي، حدثنا إبراهيم بن عبد الملك السلمي، عن قتادة، عن عروة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رفعه: "نعم العطية كلمة حق تسمعها ثم تحملها إلى أخ لك مسلم فتعلمها إياه" وعمرو بن الحصين تركه أبو حاتم وغيره .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: الدنيا ملعونة) أي: مطرودة مبعودة من الله تعالى، فإنه لم ينظر إليها منذ خلقها (ملعون ما فيها) ما شغل عن الله تعالى، وأبعد عنه، إلا ما قرب إليه فإنه محبوب محمود، كما أشار إليه قوله (إلا ذكر الله ما والاه) أي: ما أحبه الله من الدنيا، وهو العمل الصالح، والموالاة المحبة بين اثنين، وقد تكون من واحد، وهو المراد هنا (أو معلم أو متعلم) .

قال ابن القيم: لما كانت الدنيا حقيرة عند الله لا تساوي لديه جناح بعوضة كانت وما فيها في غاية البعد منه، وهذا هو حقيقة اللعنة، وهو سبحانه إنما خلقها مزرعة للآخرة، ومعبرا إليها، يتزود منها عباده إليها، فلم يكن يقرب منها إلا ما كان متضمنا لإقامة ذكره، ومقتضيا إلى محابه، وهو الذي به يعرف ويعبد ويذكر ويثنى عليه ويمجد؛ ولهذا خلقها وخلق أهلها، وهو المطلوب، وما كان طريقا إليه من العلم والتعلم فهو المستثنى من اللعنة، واللعنة واقعة على ما عداه؛ إذ هو بعيد عن الله وعن محابه، وعن دينه، فهو متعلق العقاب، والله سبحانه إنما يحب من عباده ذكره وعبادته ومعرفته ومحبته ولوازم ذلك، وما أفضى إليه، وما عداه فهو مبغوض له مذموم عنده .

وقال أبو العباس القرطبي: لا يفهم من هذا الحديث إباحة لعن الدنيا مطلقا؛ لما روي من حديث أبي موسى الأشعري، رفعه: "لا تسبوا الدنيا" قال العراقي: رواه الترمذي وابن ماجه من رواية عطاء بن قرة، قال: سمعت عبد الله بن حمزة قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الدنيا" فذكره، وقال: "وعالم أو متعلم" لفظ الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وقال ابن ماجه: "للدنيا" وقال: "أو عالما أو متعلما" اهـ .

قلت: وأخرجه الترمذي الحكيم في النوادر من طريق وهيب، عن عطاء بن قرة السلولي، عن عبد الله بن حمزة، ومن طريق إبراهيم الأسلمي، عن رجل، عن عطاء بن قرة، عن عبد الله بن ضمرة، عن أبي هريرة، ولم يذكر قتيبة، يعني شيخه، في الإسناد الأول عن أبي هريرة، وسياقه كسياق المصنف، إلا أنه ليس فيه "وما والاه" .

قال المناوي: "وعالما ومتعلما" بنصبهما عطف على "ذكر الله" ووقع للترمذي: "وعالم ومتعلم" لا لكونهما مرفوعين؛ لأن الاستثناء من موجب، بل إن طريقة كثير من المحدثين إسقاط الألف. اهـ. وفيه تأمل .

قال العراقي: وفي الباب عن ابن مسعود، ذكره الدارقطني في العلل، فقال: رواه أبو المطرف مغيرة بن مطرف، عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن عبدة بن أبي أمامة، عن شقيق، عن عبد الله، رفعه: "الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا عالم أو متعلم وذكر الله" وقال: هذا إسناد مقلوب، وإنما رواه ابن ثوبان، عن عطاء، عن ابن ضمرة، عن أبي هريرة، وهو الصحيح .




الخدمات العلمية