بيان معنى سوء الخاتمة
فإن قلت : إن أكثر هؤلاء يرجع خوفهم إلى سوء الخاتمة فما معنى سوء الخاتمة فاعلم أن سوء الخاتمة على رتبتين .
إحداهما أعظم من الأخرى ، فأما الرتبة العظيمة الهائلة : فأن يغلب على القلب عند سكرات الموت وظهور أهواله إما الشك وإما الجحود ، فتقبض الروح على حال غلبة الجحود أو الشك فيكون ما غلب على القلب من عقدة الجحود حجابا بينه وبين الله تعالى أبدا ، وذلك يقتضي البعد الدائم والعذاب المخلد : والثانية وهي دونها أن يغلب على قلبه عند الموت حب أمر من أمور الدنيا وشهوة من شهواتها فيتمثل ذلك في قلبه ويستغرقه حتى لا يبقى في تلك الحالة متسع لغيره فيتفق قبض روحه في تلك الحال فيكون استغراق قلبه به منكسا رأسه إلى الدنيا وصارفا وجهه إليها .
ومهما انصرف الوجه عن الله تعالى حصل الحجاب .
ومهما حصل الحجاب نزل العذاب إذ نار الله الموقدة لا تأخذ إلا المحجوبين عنه ، فأما المؤمن السليم قلبه من حب الدنيا المصروف همه إلى الله تعالى فتقول له النار جز يا مؤمن فإن نورك أطفأ لهبي فمهما اتفق قبض الروح في حالة غلبة حب الدنيا فالأمر مخطر ؛ لأن المرء يموت على ما عاش عليه ولا يمكن اكتساب صفة أخرى للقلب بعد الموت تضاد الصفة الغالبة عليه ، إذ لا تصرف في القلوب إلا بأعمال الجوارح ، وقد بطلت الجوارح بالموت فبطلت الأعمال فلا مطمع في عمل ولا مطمع في رجوع إلى الدنيا ليتدارك ، وعند ذلك تعظم الحسرة إلا أن أصل الإيمان وحب الله تعالى إذا كان قد رسخ في القلب مدة طويلة وتأكد ذلك بالأعمال الصالحة فإنه يمحو عن القلب هذه الحالة التي عرضت له عند الموت ، فإن كان إيمانه في القوة إلى حد مثقال أخرجه من النار في زمان أقرب وإن كان أقل من ذلك طال مكثه في النار ولو لم يكن إلا مثقال حبة فلا بد وأن يخرجه من النار ولو بعد ، آلاف سنين .
فإن قلت : فما ذكرته يقتضي أن تسرع النار إليه عقيب موته فما باله يؤخر إلى يوم القيامة ويمهل طول هذه المدة ؟ فاعلم أن فهو مبتدع محجوب عن نور الله تعالى وعن نور القرآن ونور الإيمان بل الصحيح عند ذوي الأبصار ما صحت به الأخبار وهو أن كل من أنكر عذاب القبر . القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة
وأنه قد يفتح إلى قبر المعذب سبعون بابا من الجحيم .
كما وردت به الأخبار فلا تفارقه روحه إلا وقد نزل به البلاء إن كان قد شقي بسوء الخاتمة .
وإنما فيكون سؤال تختلف أصناف العذاب باختلاف الأوقات منكر ونكير عند الوضع في القبر .
والتعذيب بعده .
ثم المناقشة في الحساب
والافتضاح على ملأ من الأشهاد في القيامة .