وأما الوسائل فتنقسم إلى الأقرب الأخص كفضائل النفس وإلى ما يليه في القرب كفضائل البدن وهو الثاني وإلى ما يليه في القرب ويجاوز إلى غير البدن كالأسباب المطيفة بالبدن من المال والأهل والعشيرة وإلى ما يجمع بين هذه الأسباب الخارجة عن النفس ، وبين الحاصلة للنفس كالتوفيق والهداية فهي إذا أربعة أنواع النوع الأول وهو الأخص الفضائل النفسية ويرجع حاصلها مع انشعاب أطرافها إلى الإيمان ، وحسن الخلق ، وينقسم الإيمان إلى علم المكاشفة ، وهو العلم بالله تعالى وصفاته وملائكته ورسله ، وإلى علوم المعاملة ينقسم إلى قسمين ترك مقتضى الشهوات والغضب واسمه العفة ومراعاة العدل في الكف عن مقتضى الشهوات والإقدام حتى لا يمتنع أصلا ، ولا يقدم كيف شاء ، بل يكون إقدامه وإحجامه بالميزان العدل الذي أنزله الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إذ قال الله تعالى أن لا تطغوا في الميزان : وحسن الخلق وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان فمن خصى نفسه ليزيل شهوة النكاح أو ترك النكاح مع القدرة والأمن من الآفات أو ترك الأكل حتى ضعف عن العبادة والذكر والفكر فقد أخسر الميزان ومن انهمك في شهوة البطن والفرج فقد طغى في الميزان وإنما العدل أن يخلو وزنه وتقديره عن الطغيان والخسران فتعتدل به كفتا الميزان فإذا أربعة : علم مكاشفة ، وعلم معاملة ، وعفة ، وعدالة ولا يتم هذا في غالب الأمر إلا بالنوع الثاني ، وهو الفضائل البدنية ، وهي أربعة الصحة ، والقوة ، والجمال ، وطول العمر ، ولا تتهيأ هذه الأمور الأربعة إلا بالنوع الثالث وهي النعم الخارجة المطيفة بالبدن ، وهي أربعة المال والأهل والجاه وكرم العشيرة ، ولا ينتفع بشيء من هذه الأسباب الخارجة والبدنية إلا بالنوع الرابع وهي الأسباب التي تجمع بينها وبين ما يناسب الفضائل النفسية الداخلة وهي أربعة هداية الله ، ورشده ، وتسديده ، وتأييده ، فمجموع هذه النعم ستة عشر إذا قسمناها إلى أربعة وقسمنا كل واحدة من الأربعة إلى أربعة وهذه الجملة يحتاج البعض منها إلى البعض إما حاجة ضرورية أو نافعة أما الحاجة الضرورية فكحاجة سعادة الآخرة إلى الإيمان وحسن الخلق إذ لا سبيل إلى الوصول إلى سعادة الآخرة البتة إلا بهما فليس للإنسان إلا ما سعى وليس لأحد في الآخرة إلا ما تزود من الدنيا فكذلك حاجة الفضائل النفسية التي تكسب هذه العلوم وتهذب الأخلاق إلى صحة البدن ضروري وأما الحاجة النافعة على الجملة فكحاجة هذه النعم النفسية والبدنية إلى النعم الخارجة مثل المال والعز والأهل فإن ذلك لو عدم ربما تطرق الخلل إلى بعض النعم الداخلة . الفضائل الخاصة بالنفس المقربة إلى الله تعالى
فإن قلت فما فاعلم أن هذه الأسباب جارية مجرى الجناح المبلغ والآلة المسهلة للمقصود أما المال فالفقير في طلب العلم والكمال . وجه الحاجة لطريق الآخرة إلى النعم الخارجة من المال والأهل والجاه والعشيرة
وليس له كفاية كساع إلى الهيجا بغير سلاح وكبازي يروم الصيد بلا جناح ولذلك وقال صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم : نعم المال الصالح للرجل الصالح نعم العون على تقوى الله المال وكيف لا ومن عدم المال صار مستغرق الأوقات في طلب الأقوات ، وفي تهيئة اللباس والمسكن وضرورات المعيشة ، ثم يتعرض لأنواع من الأذى تشغله عن الذكر والفكر ولا تندفع إلا بسلاح المال ، ثم ذلك يحرم عن فضيلة الحج والزكاة والصدقات وإفاضة الخيرات .
وقال بعض الحكماء وقد قيل له ما النعيم ؟ فقال : الغنى ، فإني رأيت الفقير لا عيش له قيل زدنا قال الأمن فإني رأيت الخائف لا عيش له ، قيل : زدنا ، قال : العافية فإني رأيت المريض لا عيش له ، قيل : زدنا ، قال : الشباب ، فإني رأيت الهرم لا عيش له وكأن ما ذكره إشارة إلى نعيم الدنيا ولكن ، من حيث إنه معين على الآخرة فهو نعمة ، ولذلك . قال صلى الله عليه وسلم : من أصبح معافى في بدنه ، آمنا في سربه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها