فهذه ثلاث درجات فالأولى : لا يدخل فيها معنى الشكر أصلا ؛ لأن نظر صاحبها مقصور على الفرس ، ففرحه بالفرس لا بالمعطي ، وهذا حال كل من فرح بنعمة من حيث إنها لذيذة وموافقة لغرضه فهو بعيد عن معنى الشكر والثانية داخلة في معنى الشكر من حيث إنه فرح بالمنعم ، ولكن لا من حيث ذاته بل من حيث معرفة عنايته التي تستحثه على الإنعام في المستقبل ، وهذا حال الصالحين الذين يعبدون الله ويشكرونه خوفا من عقابه ورجاء لثوابه ، وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=19610الشكر التام في الفرح الثالث وهو أن يكون فرح العبد بنعمة الله تعالى من حيث إنه يقدر بها على التوصل إلى القرب منه تعالى ، والنزول في جواره ، والنظر إلى وجهه على الدوام فهذا هو الرتبة العليا وأمارته أن يفرح من الدنيا إلا بما هو مزرعة للآخرة ويعينه ، عليها ويحزن بكل نعمة تلهيه عن ذكر الله تعالى وتصده عن سبيله لأنه ، ليس يريد النعمة لأنها لذيذة كما يريد صاحب الفرس لأنه جواد ومهملج بل من حيث إنه يحمله في صحبة الملك حتى تدوم مشاهدته له وقربه منه ولذلك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14567الشبلي رحمه الله الشكر : رؤية المنعم لا رؤية النعمة وقال الخواص رحمه الله : شكر العامة على المطعم والملبس والمشرب وشكر الخاصة على واردات القلوب وهذه رتبة لا يدركها كل من انحصرت عنده اللذات في البطن والفرج ، ومدركات الحواس من الألوان والأصوات وخلا عن لذة القلب ، فإن القلب لا يلتذ في حال الصحة إلا بذكر الله تعالى ومعرفته ولقائه وإنما يلتذ بغيره إذا مرض بسوء العادات كما يلتذ بعض الناس بأكل الطين وكما يستبشع بعض المرضى الأشياء الحلوة ويستحلي الأشياء المرة كما قيل :
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مرا به الماء الزلالا
فإذا هذا شرط الفرح بنعمة الله تعالى ، فإن لم تكن إبل فمعزى فإن لم يكن هذا فالدرجة الثانية .
فَهَذِهِ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ فَالْأُولَى : لَا يَدْخُلُ فِيهَا مَعْنَى الشُّكْرِ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ نَظَرَ صَاحِبِهَا مَقْصُورٌ عَلَى الْفَرَسِ ، فَفَرَحُهُ بِالْفَرَسِ لَا بِالْمُعْطِي ، وَهَذَا حَالُ كُلِّ مَنْ فَرِحَ بِنِعْمَةٍ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا لَذِيذَةٌ وَمُوَافِقَةٌ لِغَرَضِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ مَعْنَى الشُّكْرِ وَالثَّانِيَةُ دَاخِلَةٌ فِي مَعْنَى الشُّكْرِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فَرَحٌ بِالْمُنْعِمِ ، وَلَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ بَلْ مِنْ حَيْثُ مَعْرِفَةِ عِنَايَتِهِ الَّتِي تَسْتَحِثُّهُ عَلَى الْإِنْعَامِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَهَذَا حَالُ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيَشْكُرُونَهُ خَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ وَرَجَاءً لِثَوَابِهِ ، وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=19610الشُّكْرُ التَّامُّ فِي الْفَرَحِ الثَّالِثِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فَرَحُ الْعَبْدِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَقْدِرُ بِهَا عَلَى التَّوَصُّلِ إِلَى الْقُرْبِ مِنْهُ تَعَالَى ، وَالنُّزُولِ فِي جِوَارِهِ ، وَالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ عَلَى الدَّوَامِ فَهَذَا هُوَ الرُّتْبَةُ الْعُلْيَا وَأَمَارَتُهُ أَنْ يَفْرَحَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا بِمَا هُوَ مَزْرَعَةٌ لِلْآخِرَةِ وَيُعِينُهُ ، عَلَيْهَا وَيَحْزَنُ بِكُلِّ نِعْمَةٍ تُلْهِيهِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَصُدُّهُ عَنْ سَبِيلِهِ لِأَنَّهُ ، لَيْسَ يُرِيدُ النِّعْمَةَ لِأَنَّهَا لَذِيذَةٌ كَمَا يُرِيدُ صَاحِبُ الْفَرَسِ لِأَنَّهُ جَوَادٌ وَمُهَمْلَجٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَحْمِلُهُ فِي صُحْبَةِ الْمَلِكِ حَتَّى تَدُومَ مُشَاهَدَتُهُ لَهُ وَقُرْبُهُ مِنْهُ وَلِذَلِكَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14567الشِّبْلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الشُّكْرُ : رُؤْيَةُ الْمُنْعِمِ لَا رُؤْيَةُ النِّعْمَةِ وَقَالَ الْخَوَّاصُ رَحِمَهُ اللَّهُ : شُكْرُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَشْرَبِ وَشُكْرُ الْخَاصَّةِ عَلَى وَارِدَاتِ الْقُلُوبِ وَهَذِهِ رُتْبَةٌ لَا يُدْرِكُهَا كُلُّ مَنِ انْحَصَرَتْ عِنْدَهُ اللَّذَّاتُ فِي الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ ، وَمُدْرِكَاتُ الْحَوَاسِّ مِنَ الْأَلْوَانِ وَالْأَصْوَاتِ وَخَلَا عَنْ لَذَّةِ الْقَلْبِ ، فَإِنَّ الْقَلْبَ لَا يَلْتَذُّ فِي حَالِ الصِّحَّةِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْرِفَتِهِ وَلِقَائِهِ وَإِنَّمَا يَلْتَذُّ بِغَيْرِهِ إِذَا مَرِضَ بِسُوءِ الْعَادَاتِ كَمَا يَلْتَذُّ بَعْضُ النَّاسِ بِأَكْلِ الطِّينِ وَكَمَا يَسْتَبْشِعُ بَعْضُ الْمَرْضَى الْأَشْيَاءَ الْحُلْوَةَ وَيَسْتَحْلِي الْأَشْيَاءَ الْمُرَّةَ كَمَا قِيلَ :
وَمَنْ يَكُ ذَا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ يَجِدْ مُرًّا بِهِ الْمَاءَ الزُّلَالَا
فَإِذًا هَذَا شَرْطُ الْفَرَحِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِبِلٌ فَمِعْزَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا فَالدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ .