الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وينقسم الصبر أيضا ، باعتبار اليسر والعسر ، إلى ما يشق على النفس فلا يمكن الدوام عليه إلا بجهد جهيد ، وتعب شديد ، ويسمى ذلك تصبرا وإلى ما يكون من غير شدة تعب بل يحصل بأدنى تحامل على النفس ، ويخص ذلك باسم الصبر وإذا دامت التقوى ، وقوي التصديق بما في العاقبة من الحسنى ، تيسر الصبر ولذلك قال تعالى : فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ومثال هذه القسمة قدرة المصارع على غيره ، فإن الرجل القوي يقدر على أن يصرع الضعيف بأدنى حملة ، وأيسر قوة بحيث لا يلقاه في مصارعته إعياء ولا لغوب ولا تضطرب فيه نفسه ولا ينبهر ولا يقوى على أن يصرع الشديد إلا بتعب ومزيد جهد وعرق جبين فهكذا تكون المصارعة بين باعث الدين وباعث الهوى فإنه على التحقيق صراع بين جنود الملائكة وجنود الشياطين ، ومهما أذعنت الشهوات وانقمعت وتسلط باعث الدين واستولى وتيسر الصبر بطول المواظبة أورث ذلك مقام الرضا كما سيأتي في كتاب الرضا، فالرضا أعلى من الصبر ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : اعبد الله على الرضا فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكره خير كثير .

التالي السابق


(وينقسم الصبر أيضا، باعتبار اليسر والعسر، إلى ما يشق على النفس فلا يمكن الدوام عليه إلا بجهد جهيد، وتعب شديد، ويسمى ذلك تصبرا) وصاحبه متصبر، أي: متكلف الصبر وحامل نفسه عليه، (وإلى ما يكون من غير شدة تعب بل يحصل بأدنى تحامل على النفس، ويخص ذلك باسم الصبر) ، وإلى ما يكتسب الصبر ويبتلى به، ويخص ذلك باسم الاصطبار، فالمراتب ثلاثة وهي في الوصف والكيف، وهناك مرتبتان أخريان في القدر والكم، وهما الصبور والصبار، فالصبور العظيم الصبر، الذي صبره أشد من صبر غيره، والصبار الشديد الصبر، فكملت المراتب خمسة وأعمها الصابر .

(وإذا دامت التقوى، وقوي التصديق بما في العافية من الحسنى، تيسر الصبر) وسهل عليه، (ولذلك قال تعالى: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ) فتيسيره للحالة اليسرى هو إدامته على الصبر على طاعته وتسهيله عليه، (ومثال هذه القسمة قدرة المصارع على غيره، فإن الرجل القوي يقدر على أن يصرع الضعيف بأدنى حملة عليه، وأيسر قوة بحيث لا يلقاه في مصارعته) إياه (إعياء ولا لغوب) أي: تعب (ولا تضطرب فيه نفسه ولا ينبهر) أي: لا ينقطع نفسه من الضعف، (ولا يقوى على أن يصرع الشديد إلا بتعب ومزيد جهد وعرق جبين) ، وهو كناية عن الشدة، (فهكذا تكون المصادمة بين باعث الدين وباعث الهوى فإنه على الحقيقة صراع بين جنود الملائكة وجنود الشياطين، ومهما اندفعت الشهوات وانقمعت وتسلط باعث الدين واستولى) أي: غلب وقهر (وتيسر الصبر بطول المواظبة أورث ذلك مقام الرضا) وباعتبار ذلك يكون الصبر الرضا أي: ينفتح له بابه (كما سيأتي في آخر كتاب الرضا) إن شاء الله تعالى (فالرضا أعلى مقاما من الصبر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: اعبد الله على الرضا فإن لم تستطع ففي الصبر خير كثير) .

قال العراقي : رواه الترمذي من حديث ابن عباس .




الخدمات العلمية