ومنهم من ولم يؤثر فيه ، وهذا على خير ، وإن كان قد بقي عليه بقية من الإخلاص . إذا سمع المدح لم يسر به ، ولم يغتم به
ومنهم من يكره المدح إذا سمعه ، ولكن لا ينتهي به إلى أن يغضب على المادح ، وينكر عليه . وأقصى درجاته أن يكره ويغضب ويظهر الغضب وهو صادق فيه ، لا أن يظهر الغضب وقلبه محب له ، فإن ذلك عين النفاق ؛ لأنه يريد أن يظهر من نفسه الإخلاص والصدق ، وهو مفلس عنه وكذلك بالضد من هذا تتفاوت الأحوال في حق الذام ، وأول درجاته : إظهار الغضب ، وآخرها إظهار الفرح ، ولا يكون الفرح وإظهاره إلا ممن في قلبه حنق وحقد على نفسه لتمردها عليه وكثرة عيوبها ومواعيدها الكاذبة وتلبيساتها الخبيثة فيبغضها بغض العدو والإنسان يفرح بمن يذم عدوه ، وهذا شخص عدوه نفسه ، فيفرح إذا سمع ذمها ، ويشكر الذام على ذلك ويعتقد فطنته وذكاءه لما وقف على عيوبها ، فيكون ذلك كالتشفي له من نفسه ، ويكون غنيمة عنده ؛ إذ صار بالمذمة أوضع في أعين الناس حتى لا يبتلى بفتنة الناس ، وإذا سيقت إليه حسنات لم ينصب فيها فعساه يكون خيرا لعيوبه التي هو عاجز عن إماطتها ولو جاهد المريد نفسه طول عمره في هذه الخصلة الواحدة ، وهو أن يستوي عنده ذامه ومادحه لكان له شغل شاغل فيه ، لا يتفرغ معه لغيره وبينه وبين السعادة عقبات كثيرة هذه إحداها ، ولا يقطع شيئا منها إلا بالمجاهدة الشديدة في العمر الطويل .