الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الخامس : أن يكون العمل والمنفعة معلوما فالخياط يعرف عمله بالثوب .

والمعلم يعرف عمله بتعيين السورة ، ومقدارها .

وحمل الدواب يعرف بمقدار المحمول وبمقدار المسافة .

، وكل ما يثير خصومة في العادة فلا يجوز إهماله .

وتفصيل ذلك يطول .

وإنما ذكرنا هذا القدر ; ليعرف به جليات الأحكام ، ويتفطن به لمواقع الإشكال .

فيسأل .

فإن الاستقصاء شأن المفتي لا شأن العوام .

التالي السابق


(الخامس: أن يكون العمل والمنفعة معلوما) أي: يشترط في المنفعة المعقود عليها: أن تكون معلومة عينا، وقدرا، وصفة، في الإجارة العينية، وعلم العين إما بالمشاهدة، أو بالوصف السلمي، وأما القدر فالشهر، أو اليوم، أو [ ص: 464 ] بمدة عمل .

فإن منافع المستأجر تارة بالزمان، وتارة بالمكان، وتارة بمحل العمل، وتفصيله في الآدمي، والأراضي، والدواب، أما الآدمي إن استؤجر لصنعة عرف بالزمان، أو بمحل العقد، أشار إليه المصنف فقال: (فالخياط يعرف عمله بالثوب) أي: يستأجر الخياط يوما، أو لخياطة ثوب معين، فلو قال استأجرتك لتخيط هذا القميص في هذا اليوم فسد; لأنه ربما يتم العمل قبل اليوم، أو بعده .

(والمعلم يعرف عمله بنفس السورة، ومقدارها) أو بالزمان، وهذا قد ذكر تفصيله قريبا، وفيه فرعان: الأول: إذا كان المستأجر على تعليمه يتعلم شيئا بعد شيء ثم ينساه، فهل على الأجير إعادة التعليم؟ فيه أوجه: أحدها: إن تعلم آية ثم نسيها لم يجب تعليمها ثانيا، وإن تعلم دون آية ونسي وجب. والثاني: أن الاعتبار بالسورة. والثالث: إن نسي في المجلس وجب إعادته، وإن نسي بعده فلا. والرابع: أن الرجوع فيه إلى العرف الغالب، وهو الأصح .

الثاني عن القاضي حسين في فتاويه: أن الاستئجار لقراءة القرآن على رأس القبر مدة جائز، كالاستئجار للأذان، وتعليم القرآن، قال الشيخ أبو محمد في الكبير: واعلم أن عود المنفعة إلى المستأجر شرط في الإجارة، كما تقدم، فيجب عود المنفعة في هذه الإجارة إلى المستأجر، أو ميته، لكن لا ينتفع بأن يقرأ الغير، فإن قلت: هذا ممنوع، فإن المستأجر ينتفع بالسماع من الغير، فإن الشخص يتدبر في معنى قراءة غيره أكثر مما يتدبر في معنى قراءة نفسه، ويلتذ بقراءة غيره كما يلتذ بقراءة نفسه، بل أولى، وخصوصا: إذا كان القارئ حسن الصوت، حسن الأداء، فإن الالتذاذ بذلك أكثر، قال: فالوجه: تنزيل الاستئجار على صورة انتفاع الميت بالقراءة، وذكروا له طريقتين: أحدهما: يدعو للميت عقيب القراءة، فإن الدعاء يلحق الميت، وينفعه، والدعاء بعد القراءة أقرب إلى الإجابة، وأكثر بركة .

والثاني: ذكر الشيخ عبد الكريم الشالوني، أنه إن نوى القارئ بقراءته أن ثوابها للميت لم يلحقه، لكن لو قرأ ثم جعل ما حصل من الأجر له فهذا مجعول ذلك الأجر للميت، فينتفع الميت. قلت: إن كانت القراءة على القبر فيستحق الأجر، وينتفع الميت بالقراءة، ويخفف عنه العذاب بذلك إن كان من أهل العذاب، ولا شك أن القارئ بقراءته قصر الميت دون نفسه، فلا بد من حصول الفائدة للميت، دون نفسه، وإن كان العمل بدنيا، فإن ترتب الثواب، وترتبه مبني على خلوص النية، وأما قول الشيخ عبد الكريم: فينتفع الميت إن أراد به أن ذلك الثواب يحصل مثل ذلك للميت، وينتقل إليه بإهدائه له، فهذا مبني على صحة انتقال المعاني من نفس إلى نفس أخرى، فإن قلنا بصحته فذلك، وإلا فإن أراد أنه يجعله له، يحصل مثل ذلك للميت، مع بقاء ذلك للقارئ، فهذا أيضا ممكن، موجه، ورحمة الله واسعة .

وأما الدواب فقد أشار إليه المصنف بقوله: (وحمل الدواب يعرف بمقدار المحمول، والمسافة) قال في الوجيز: أما الدواب، فإن استؤجر للركوب عرف الأجير الراكب برؤية شخصه، أو سماع صفته في الضخامة، والنحافة; ليعرف وزنه تخمينا، ويعرف المحمل بالصفة في السعة والضيق بالوزن، فإن ذكر الوزن دون الصفة، أو بالعكس، ففيه خلاف .

ويعرف تفاصيل المعاليق، فإن شرط المعاليق مطلقا، فهو فاسد على النص; لتفاوت الناس فيه، خلافا لأبي حنيفة، ومالك.

والمستأجر يعرف الدابة برؤيتها، أو بوصفها، إن أورد الإجارة على الذمة أهي فرس أم بغل أم ناقة أم حمار؟

وفي ذكر كيفية السير من كونه مهملجا، أو بحرا، خلاف، ويعرف تفصيل السير، والسرى، ومقدار المنازل، ومحل النزول، أهو القرى أم الصحراء؟ إذا لم يكن للعرف فيه ضبط، فإن كان فالعرف متبع،

وإن استؤجر للحمل فيعرف قدره بالتحقيق إن كان حاضرا، وإن كان غائبا فبتحقق الوزن، بخلاف الراكب، وإن كان في الذمة فلا يشترط وصف معرفة الدابة، إلا إذا كان المنقول زجاجا، أو يختلف الغرض بصفات الدابة .

(وكل ما يظن من خصومة في العادة فلا يجوز إهمالها) وأما الأراضي فلم يذكرها المصنف هنا، ونصه في الوجيز: أما الأراضي، فما يطلب للسكون يرى المستأجر مواضع الغرض، فينظر في الحمام إلى البيوت، وبئر الماء، وبسط الثياب، والأتون، والوقود، ويعرف قدر المنفعة بالمدة، وإن آجر سنة فذاك، وإن زاد فالأصح أنه جائز، ولا ضبط .

ولو قال: آجرتك الأرض ولم يعين للبناء والغراس لم يجز، فإنه مجهول، ولو قال: لتنتفع به ما شئت جاز .

ولو قال: آجرتك للزراعة ولم يذكر ما يزرع ففيه خلاف; لأن التفاوت فيه قريب .

ولو قال: أكريتك إن [ ص: 465 ] شئت فازرعها، وإن شئت فاغرسها، جاز على الأصح، ويتخير، كما لو قال: انتفع ما شئت .

ولو قال: أكريتك فازرعها، واغرسها، ولم يذكر القدر، فهو فاسد، وقيل: إنه ينزل على النصف .

ولو اكترى الأرض للبناء، وجب تعريف عرض البناء، وموضعه، وفي تعريف ارتفاعه خلاف (وتفصيل ذلك يطول، وإنما ذكرنا هذا القدر; ليعرف به جليات الأحكام، ويتفطن به لمواقع الإشكال، فيسأل) أهل العلم بذلك (فإن الاستقصاء) في المسائل (شأن المفتي) المتصدي لذلك (لا شأن العوام) فإنهم يكتفون بجليات الأحكام، بمقتضى استعداداتهم، والله أعلم .




الخدمات العلمية