الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومن حقها على الوالدين : تعليمها حسن المعاشرة وآداب العشرة مع الزوج ، كما روي أن أسماء بنت خارجة الفزاري قالت لابنتها عند التزوج إنك خرجت من العش الذي فيه درجت فصرت إلى فراش لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه ، فكوني له أرضا يكن لك سماء وكوني له مهادا يكن لك عمادا وكوني له أمة يكن لك عبدا لا تلحفي به فيقلاك ولا تباعدي عنه فينساك إن دنا منك فاقربي منه وإن نأى فابعدي عنه واحفظي أنفه ، وسمعه ، وعينه فلا يشمن ، منك إلا طيبا ولا يسمع إلا حسنا ولا ينظر إلا جميلا .

وقال رجل لزوجته .


خذي العفو مني تستديمي مودتي ولا تنطقي في سورتي حين أغضب     ولا تنقريني نقرك الدف مرة
فإنك لا تدرين كيف المغيب     ولا تكثري الشكوى فتذهب بالهوى ويأباك
قلبي والقلوب تقلب     فإني رأيت الحب في القلب والأذى
إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب

التالي السابق


(ومن حقها على الوالدين: تعليمها حسن المعيشة) في بيت زوجها، بالتدبير والتلطف (وآداب العشرة مع الزوج، كما روي عن أسماء بن خارجة الفزاري) -وكان من حكماء العرب- (قال لابنته عند زفافها إلى) بيت (زوجها) : يا بنية، قد كانت والدتك أحق بتأديبك مني، أن لو كانت باقية، فأما الآن، فأنا أحق بتأديبك من غيري افهمي عني ما أقول: (إنك [ ص: 406 ] خرجت من العش الذي فيه درجت) يشير إلى منزل والديها، الذي تدرجت فيه، ومثله المثل: ليس بعشك فادرجي (وصرت إلى فراش لا تعرفينه، وقرين) أي: زوج (لا تألفينه، فكوني أرضا) أي: مطيعة كطاعة الأرض، أو ذليلة منقادة، أو لينة هينة، أو ثابتة العقل، أو حافظة لماله، وفي كل ذلك أمثال ضربت، قالوا: أطوع من الأرض، وأذل من الأرض، وألين من الأرض، وأثبت من الأرض، وأخفض من الأرض (يكن لك سماء) أي: يظل عليك برأفته، ورفعته، كإظلال السماء، أو يمطر عليك بإحسانه، ونعمه، أو يستر عليك كما تستر السماء الأرض (وكوني له مهادا) أي: فراشا (يكن لك عمادا) تستندي إليه (وكوني له أمة) أي: جارية (يكن لك عبدا) أي: كالعبد في الانقياد (لا تلحفي به) أي: لا تلحي عليه في شيء، والإلحاف: المبالغة في السؤال (فيقلاك) أي: فيبغضك (ولا تباعدي عنه) كناية عن امتناعها منه في الفراش (فينساك) أي: يغفل عنك، فإن من بعد عن العين، بعد عن القلب (إن دنا) منك باللعب والانبساط (فادني) أي: اقربي منه (وإن نأى عنك) بقبض، وهيبة (فابعدي عنه) أي: كوني منه على حذر من فلتاته (واحفظي أنفه، وسمعه، وعينه، لا يشم منك إلا طيبا) أشار بذلك إلى كثرة استعمالها الماء، بالاغتسال، فإن الماء أطيب الطيب عند العرب (ولا يسمع) منك (إلا حسنا) أشار به إلى محافظة اللسان، فلا تتكلم إلا فيما يرضي (ولا ينظر) منك (إلا جميلا) أي: زينا، أشار به إلى حسن الهيئة، وتزيين ما يقع عليه البصر وتحسينه .

(وقال رجل لزوجته) هكذا في سائر نسخ الكتاب، وهو غلط، والصواب: وأنا الذي أقول لأمك ليلة ابتنائي بها. هكذا هو في القوت، وهكذا هو في الشعب للبيهقي،

(خذي العفو مني تستديمي مودتي * ولا تنطقي في سورتي حين أغضب)

، أي: السورة، بالفتح: هيجان الغضب، يقول لها: لا تخاطبيني عند هيجان غضبي، فإني لا أملك نفسي إذ ذاك، فربما أخاطرك بما لا يليق، فيكون سببا للفراق .


(ولا تنقريني نقرك الدف مرة * فإنك لا تدرين كيف المغيب
ولا تكثري الشكوى فتذهب بالهوى * فيأباك قلبي والقلوب تغلب
فإني رأيت الحب في القلب والأذى * إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب)

.

هكذا أورده صاحب القوت بتمامه، مع ذكر الأبيات، وقال البيهقي في الشعب: إن أسماء بن خارجة الفزاري لما أراد إهداء ابنته إلى زوجها، قال لها: يا بنية كوني لزوجك أمة، يكن لك عبدا، ولا تدني منه فيملك، ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه، وكوني كما قلت لأمك:


خذي العفو عني تستديمي مودتي * ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإني رأيت الحب في الصدر والأذى * إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب

.




الخدمات العلمية