الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الورد الخامس : السدس الأخير من الليل وهو وقت السحر فإن الله تعالى قال : وبالأسحار هم يستغفرون قيل يصلون لما فيها من الاستغفار وهو مقارب للفجر الذي هو وقت انصراف ملائكة الليل وإقبال ملائكة النهار وقد أمر بهذا الورد سلمان أخاه أبا الدرداء رضي الله عنهما ليلة زاره ، في حديث طويل ، قال في آخره : " فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم ، فقال له سلمان : نم ، فنام ثم ذهب ليقوم فقال له نم فنام ، فلما كان عند الصبح قال له سلمان : قم الآن ، فقاما ، فصليا ، فقال : إن لنفسك عليك حقا ، وإن لضيفك عليك حقا ، وإن لأهلك عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه ، وذلك أن امرأة أبي الدرداء أخبرت سلمان أنه لا ينام الليل قال ، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له ، فقال : صدق سلمان "

التالي السابق


( الورد الخامس: السدس الأخير من آخر الليل وهو وقت السحر) الأول ( قال الله تعالى: وبالأسحار هم يستغفرون قيل) في تفسيره: أي: ( يصلون) وإنما سميت الصلاة استغفارا ( لما فيها من الاستغفار) وكذلك قوله تعالى: وقرآن الفجر يعني به الصلاة، وكني بذكر القرآن والاستغفار عن الصلاة لأنهما وصفان منها، كما قيل: الصلاة استغفار؛ لأنه يطلب بها المغفرة، وتكون هذه الصلاة في السحر بدلا عن السجود إلى طلوع الفجر الثاني ( وهو مقارب للفجر الذي هو وقت انصراف ملائكة النهار) ويتوسط هذا الورد بين الليل والنهار .

ذهب أهل الحجاز إلى أن الصلاة الوسطى التي نص الله على إفراد المحافظة عليها هي صلاة الفجر، قال الله تعالى: وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا قيل: [ ص: 167 ] تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار؛ تعظيما لهذا الوقت، وتشريفا له؛ لتوسطه في آخر الليل وأول النهار، فهذا الورد هو أقصر الأوراد، ومن أفضلها، وهو من السحر الأول إلى طلوع الفجر الثاني، إلا ما كان من صلاة نصف الليل فذاك أفضل شيء من الليل، وهو أوسط الأوراد؛ لأنه هو الورد الثالث .

( وقد أمر بهذا الورد سلمان) الفارسي ( أخاه أبا الدرداء رضي الله عنهما) وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد آخى بينهما في الإسلام ( ليلة زاره، في حديث طويل، قال في آخره: "فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم، فقال له سلمان: نم، فنام، فلما كان عند الصبح قال سلمان: قم الآن، فقاما، فصليا، فقال: إن لنفسك عليك حقا، وإن لضيفك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، وذلك أن امرأة أبا الدرداء أخبرت سلمان بأن أبا الدرداء لا ينام الليل، فأتيا النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرا ذلك له، فقال -صلى الله عليه وسلم-: صدق سلمان") هكذا هو في القوت .

وقال العراقي: رواه البخاري من حديث أبي جحيفة.

قلت: وقال أبو نعيم في الحلية: حدثنا عبد الله بن محمد بن عطاء، حدثنا أحمد بن عمرو البزار، حدثنا السري بن محمد الكوفي، حدثنا قبيصة بن عقبة، حدثنا عمار بن زريق، عن أبي صالح، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء "أن سلمان دخل عليه فرأى امرأته رثة الهيئة، فقال: ما لك؟ فقالت: إن أخاك لا يريد النساء، إنما يصوم النهار ويقوم الليل، فأقبل على أبي الدرداء فقال: إن لأهلك عليك حقا، فصل ونم، وصم وأفطر، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: لقد أوتي سلمان من العلم".

حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة، حدثنا أحمد بن علي بن المثنى، حدثنا زهير بن حرب، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا أبو العميس، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: "جاء سلمان يزور أبا الدرداء فرأى أم الدرداء مبتذلة، فقال: ما شأنك؟ فقالت: إن أخاك ليست له حاجة من الدنيا، يقوم الليل، ويصوم النهار، فلما جاء أبو الدرداء رحب به سلمان، وقرب إليه الطعام، فقال سلمان: اطعم، فقال: إني صائم، فقال سلمان: أقسمت عليك إلا ما طعمت، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل معه، وبات عنده، فلما كان من الليل قام أبو الدرداء، فحبسه سلمان، ثم قال: يا أبا الدرداء إن لربك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا، أعط كل ذي حق حقه، صم وأفطر، وقم ونم، وآت أهلك، فلما كان عند وجه الصبح قال: قم الآن، فقاما، فتوضآ، وصليا، حتى خرجا إلى الصلاة، فلما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قام إليه أبو الدرداء فأخبره بما قال سلمان، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن لجسدك عليك حقا" مثل ما قال سلمان.




الخدمات العلمية