الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ويشغل يديه بقائم السيف ، أو العنزة والمنبر كي لا يعبث بهما أو يضع إحداهما على الأخرى .

التالي السابق


(ويشغل يديه بقائمة السيف ، والمنبر ) ، أي : اليمنى بالمنبر ، واليسرى بقائمة السيف (أو العنزة) ، أي : العصا بدل السيف ، والعنزة عصا أقصر من الرمح ، ولها زج من أسفلها ، والجمع عنز ، وعنزات ؛ كقصبة ، وقصب ، وقصبات (كيلا يعبث بهما) ، فإنه مكروه ، وإنما ذكر المصنف السيف ، أو العنزة بالتخيير ، مشيرا إلى أن البلدة إن كانت فتحت عنوة ، فيرقى بالسيف كدمشق ، وغيرها ؛ ليريهم ذلك ، وأنها فتحت بالسيف ، فإذا رجعتم عن الإسلام ، فذلك باق بأيدي المسلمين يقاتلونكم به حتى ترجعوا إلى الإسلام ، وبدونه في كل بلدة فتحت صلحا كمصر ، وأقطارها ، وفيه بين العلماء اختلاف ، فمنهم من قال : نصفها فتحت عنوة ، ونصفها صلحا ، لكن العمل الآن على اتخاذ سيف من خشب على هيئته ، وكأنه جمع بين الأقوال ، وأما المدينة ، ففتحت بالقرآن ، فيخطب فيها بلا سيف ، ومكة يخطب فيها بالسيف ، وهل يتقلد الإمام السيف وهو خارج من بيت الخطابة ، أو يكون المرقي بين يديه يكون هو المقلد ؟ كل ذلك وارد .

وتقدم أن الخطيب عند صعوده على المنبر يتلقى السيف ، أو العصا بيمينه ، ثم يصعد مقدما رجله اليمنى على المنبر ، ولا يدق برجله ، ولا بالسيف ، فقد عد ذلك من البدع القبيحة ، وليقل في حال صعوده : بسم الله ربي ، توكلت على الله ، اعتصمت بالله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، فإذا انتهى إلى محل جلوسه حول السيف إلى يساره ، واعتمد بيمينه على قائمة المنبر . قال بعض الشافعية : لم يتعرض المكثرون من أصحابنا بأي يديه يمسك السيف ، وقال البغوي في التهذيب ، والقاضي حسين في التعليقة : يمسكه بيده اليسرى ، وقد أجمع عليه الخطباء في الأعصار بسائر الأمصار من غير إنكار .

قلت : قال ابن طولون الحنفي : ولعل الحكمة في ذلك أنه إذا كان في يساره بقيت يمينه فارغة ، فهو أمكن في سله وجذبه من قرابه إذا دعت إليه ضرورة ، وفيه أيضا تكريم لليمنى إذ هي الباطشة في الجهاد ، فكانت اليسرى حاملة معينة لها على حمله إلى وقت الحاجة . والله أعلم .

(أو يضع إحداهما على الأخرى) إن لم يكن سيف ، ولا عصا ، وإن وضعهما على قائمتي المنبر معتمدا عليهما - كما هو عمل الناس الآن غالبا - فلا بأس ، فإن ذلك يمنع العبث بهما على كل حال ، ثم وضع إحدى اليدين على الأخرى يحتمل أن يكون على هيئة الصلاة ، أو يكفي وضع ذراع على ذراع ، وفيه وجه آخر أنه يقرهما مرسلتين ، كما قاله النووي . قال : والغرض أن يخشع ، ولا يعبث بهما .




الخدمات العلمية