الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الخامس دم البثرات وما ينفصل منها من قيح وصديد .

ودلك ابن عمر رضي الله عنه بثرة على وجهه فخرج منها الدم وصلى ولم يغتسل .

وفي معناه ما يترشح من لطخات الدماميل التي تدوم غالبا وكذلك أثر الفصد إلا ما يقع نادرا من خراج أو غيره فيلحق بدم الاستحاضة ولا يكون في معنى البثرات التي لا يخلو الإنسان عنها في أحواله .

ومسامحة الشرع في هذه النجاسات الخمس تعرفك أن أمر الطهارة على التساهل وما ابتدع فيها وسوسة لا أصل لها .

التالي السابق


(الخامس دم البثرات) جمع بثرة محركة، وقد بثر الجلد من باب تعب، والبثرة والبثرات كالقصبة والقصبات ويقال أيضا: بثر مثال قتل وقرب فهي ثلاث لغات وهي الخراجات الصغيرة (وما ينفصل منها من قيح وصديد) أي جميع ما ينفصل من البثرات سواء كان دما أو قيحا أو صديدا فإنه معفو عنه وتقدم معنى القيح، وأما الصديد فهو الدم المختلط (ودلك) عبد الله (بن عمر رضي الله عنهما بثرة) كانت (على وجهه وخرج منها الدم وصلى ولم يغسله) فدل ذلك على أنه مما يعفى عنه (وفي معناه ما يترشح من لطخات) جمع لطخة بفتح فسكون أي ما يسيل ويتلزج من تلويثات (الدماميل) جمع دمل كسكر معروف والأصل الدمامل بلا ياء (التي تدوم غالبا) أي لا تفارق من مواضع من الجسد، فإن هذا مما يعفى عنه (وكذا أثر الفصد) ، وفي معناه الحجامة (إلا ما يقع نادرا من خراج) كغراب ما يخرج في الجسد من البثر (أو غيره فيلحق بدم الاستحاضة) ويكون حكمه كحكمه (ولا يكون في معنى البثرات التي لا يخلو الإنسان عنها في أحواله) السائرة، وتندرج هذه الأمور التي ذكرها المصنف تحت قاعدة: المشقة تجلب التيسير، ولها أسباب ستة أحدها العسر وعموم البلوى ويلحق بدم البراغيث دم البق [ ص: 322 ] والقمل، وإن كثر وبول ترشش على الثوب كرؤوس الإبر وأثر نجاسة عسر زواله وريق النائم مطلقا على المفتى به عندنا .

وقال النووي في الروضة: الماء الذي يسيل من النائم قال المتولي: إن كان متغيرا فنجس وإلا فطاهر، وقال غيره: إن كان من اللهوات فطاهر أو من المعدة فنجس، ويعرف كونه من اللهوات بأن ينقطع إذا طال نومه، وإذا شك فالأصل عدم النجاسة والاحتياط غسله، وإذا حكم بنجس وعمت بلوى شخص به لكبره منه فالظاهر أنه يلتحق بدم البراغيث وسلس البول ونظائره .

قلت: ومن المعفو عنه ريق أفواه الصبيان وغبار السرجين وقليل دخان النجس ومقعد الحيوان وما أصاب السراويل المبتلة والمقعدة من النساء على المفتى به، وفي فتاوى قاضيخان: وماء الطابق استحسانا، وكذا الإسطبل إذا كان حارا، وعلى كونه طابق أو بيت بالوعة إذا كان عليه طابق وتقاطر منه، وكذا الحمامات إذا أهريق فيها النجاسات فعرق حيطانها وكونها وتقاطر وما رش به السوق إذا ابتل به قدماه ومواطئ الكلاب والطين المسرقن وردغة الطريق في أشياء أوردها ابن نجيم في الأشباه والنظائر وتقدم ذكر بعضها (ومسامحة الشرع في هذه النجاسات الخمسة) وما يلتحق بها (تعرفك أن أمر الطهارات) إنما هو (على التساهل) وعلى هذا عرف دأب السلف (وإن ما أبدع فيها) من التدقيقات المخرجة (وسوسة لا أصل لها) في الشرع فليجتنب منها .




الخدمات العلمية