باب فيمن حلف لا أكلم فلانا أو ليكلمنه أو إن أخبره أو ليخبرنه; فكتب إليه أو أرسل إليه رسولا
وقال في المدونة، فيمن حلف لا أكلم فلانا، فكتب إليه، أو أرسل إليه رسولا; يحنث . مالك
وقال في كتاب أشهب محمد : لا حنث عليه فيهما; يعني الكتاب والرسول، وروى ابن القاسم ، عن وأشهب : أنه يحنث في الكتاب دون الرسول . مالك
وكل هذا الاختلاف مع عدم النية.
واختلف بعد القول أنه حانث إن ادعى النية، وأنه أراد ألا يشافهه على ثلاثة أقوال: فقال في المدونة: له نيته، ثم رجع، فقال: لا أنويه في الكتاب . وقال محمد : وقد قال قبل ذلك: لا نية له، ثم رجع إلى إن نواه في الرسول.
فلم يحنثه مع عدم النية، وحمله على موجب اللفظ; لأنه لم يكلمه في الحقيقة، وإنما كلم الرسول، أو كتب أحرفا، صورها يفهم منها مراده. أشهب
ورأى أن القصد المقاطعة والمهاجرة، ليس الكلام خاصة، فإذا كاتبه أو راسله، لم تكن مهاجرة تامة، ثم لم ينوه; لأنه لم يحنثه بمجرد اليمين، وإنما حنث بالمعتاد، وأن القصد المقاطعة، فكأنه ادعى ما تكذبه فيه العادة، وادعى ما لا يشبه. [ ص: 1731 ] مالك
وصدقه مرة; لأن من الناس من يقصد هجرانا دون هجران، فيكتب ويراسل ويقف عن المشافهة وهذا أحسن، ولا فرق بين الكتاب والرسول.
والقول أن الذي في الكتاب لفظه غير صحيح; لأن الإنسان يكتب ولا ينطق، ولو نطق ما زاد معنى، ولصار ذلك المكتوب كلامه.
وقال : وإن وصل الكتاب إلى المحلوف عليه، فقرأ عنوانه; حنث وإن لم يقرأه، وأقام عنده سنين; لم يحنث ولا وجه لهذا; لأنه إذا حنث بالمكاتبة لأنها ضرب من المواصلة، وترفع بعض المقاطعة، فذلك يقع بنفس وصول الكتاب من الحالف، وإن لم يقرأ. وإن كتب المحلوف عليه إلى المحلوف، فلم يقبل كتابه; لم يحنث. ابن حبيب
واختلف إذا قبله وقرأه: فقال : يحنث. وقال أيضا، لا يحنث. ابن القاسم
وقاله وهو أحسن; لأن الكلام من المحلوف عليه لا يحنث به الحالف، وكذلك لو اجتمع معه، وكلمه ولم يجاوبه; لأنه إنما حلف لا كلمت فلانا ، ولم يحلف لا كلمني. أشهب
ولو حلف ليكلمنه فكتب إليه، أو أرسل إليه رسولا; لم يبر; لأنه لم يكلمه. وهذا مما يبين الأول إذا حلف لا أكلمه فكتب إليه أنه لم يحنث بمجرد اليمين.
ولو كان الكتاب ككلامه لبر به إذا حلف ليكلمنه، وإن حلف ليعلمنه أو [ ص: 1732 ] ليخبرنه، فإنه يبر بالكتاب والرسول.
وإن حلف لا أعلمه، أو لا أخبره، فكتب إليه، أو أرسل إليه; حنث.
وقال ، فيمن حلف لرجل إن علم كذا وكذا، ليخبرنه أو ليعلمنه، فعلماه جميعا، فلم يعلمه: فهو حانث; يريد: إذا لم يعلم الحالف بعلم المحلوف عليه، وإن علم لم يحنث، إلا على من راعى الألفاظ. ابن القاسم
وقال ، في رجل أسر إلى رجل سرا، واستحلفه أن لا يخابر به أحدا، فأخبر المحلوف له رجلا بذلك السر، فانطلق ذلك الرجل، فأخبر الحالف، فقال الحالف: أخبرني به، وما ظننت أنه أخبر به أحدا غيري. قال: فهو حانث، وهذا صواب; لأن الإنسان يقصد أن يسر أمرا لجماعة، ولا يخبر كل واحد منهم بما اطلع عليه الآخر. [ ص: 1733 ] مالك