باب في أمان المسلمين لأهل الحرب
لا يخلو الأمان من سبعة أوجه :
إما أن يكون من أمير الجيش ، أو من رجل من الجيش وهو حر مسلم ، أو ممن لم يتوجه عليه الجهاد : كالمرأة والعبد والصبي ، أو من كافر في الجيش ، أو من سرية خرجت من الجيش ، أو من سرية من أرض الإسلام بأمر الأمير ، أو من غير إذن الأمير .
فأما وغيرهم ، وهو الناظر للمسلمين فيما يراه صوابا بعد الاجتهاد ومشاورة من معه من ذوي الرأي ، فما عقده جاز ولزم الوفاء به . الجيش فالأمان فيه إلى أمير الجيش دون من معه من الجند والعرائف
فإن جعل لهم الأمان على أن يرحل عنهم ، أو على أنهم آمنون إلى مدة معلومة ، وكان ذلك بمال أو بغير مال ، أو على أن يخرجوا إليه على أنهم آمنون من القتل خاصة ويسترقهم ، أو على أن يضرب عليهم الجزية ولا يسترقهم ، أو على أن يأخذ أموالهم خاصة ولا يعرض في غير ذلك من أنفسهم أو يأخذ أموالهم وأبناءهم أو بعض ذلك فهو عقد جائز لازم .
وأجاز محمد إذا وقع ذلك من غير أمير الجيش فيكون أمانا لهم من ذلك الجيش ، ولا يكون أمانا على ألا يغزوهم أحد .
والأول أحسن ، وليس لواحد أن يعقد على الأمير وعلى الجيش أن يرحلوا عنهم ، وكذلك إن أمن واحد من الجيش واحدا من أهل الحصن ، فعلى قول [ ص: 1439 ] محمد يمضي عقده .
وقال : لا ينبغي لأحد من أهل الجيش أن يؤمن أحدا غير الإمام وحده ، ولذلك قدم ، وينبغي أن يتقدم إلى الناس في ذلك ، ثم إن أمن أحد أحدا قبل نهيه أو بعده فالإمام مخير : إما أمنه ، أو رده إلى مأمنه . ابن حبيب
وقال في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : إن الدني من حر أو عبد أو امرأة أو صبي يعقل الأمان يجوز أمانهم ، وليس للإمام ولا غيره أن يغدر به ، ولكن يوفي له ذلك ، أو يرده إلى مأمنه . "يجير على المسلمين أدناهم
قال : ابن سحنون ، ولكن ينظر الإمام : فإما أتم ذلك ، وإما ينبذ إليهم . إذا أمن المسلم قوما من أهل الحرب فهم آمنون
واتفق ابن حبيب وابن سحنون أن عقده على الإمام وعلى الناس لا يلزمه ، وإنما هو آمن حتى ينظر في ذلك .
واختلف في : فقال أمان المرأة والعبد والصبي إذا كان يعقل الأمان : ذلك جائز وهو آمن . وقد تقدم قول ابن القاسم أنه آمن حتى يرى [ ص: 1440 ] الإمام رأيه . ابن حبيب
وذكر أبو الفرج عن أنه قال : ليس إجارة المرأة إجارة ، ولا يكون أمنا . عبد الملك
وروى معن عن أنه قال في الرجل من الجيش يؤمن الرجل والرجلين بغير أمر الإمام : فذلك جائز . قيل : فالعبد ؟ قال : لا . مالك
وقال : ليس أمان الصبي بأمان ، إلا أن يجيزه للقتال ، ويصير له سهم ، فالإمام مخير : إما أجاز أمانه ، أو رده ، فأما إن لم يجزه للقتال فأمانه باطل . سحنون
وأرى أن أمان كل هؤلاء أمان ؛ فلا يقتل من أمنوه ، ولا يسترق ، والنظر فيه للإمام ، فإن رأى أن يجيز له ما عقده ، وإلا رده إلى مأمنه .
واختلف في الأمان بعد الفتح وبعد أن توجه الأسر والقتل ، فقال فيمن أعطى أسيرا أمانا : سقط عنه القتل . يريد : ولا يسقط الاسترقاق ابن المواز
وقال عن أبيه : لا يحل لمن أمنه قتله ، والإمام يتعقب ذلك : فإن رأى ذلك نظرا أمضاه وصار فيئا ، وإن رأى قتله أصلح قتله ؛ لأنه أمن بعد أن صار أسيرا وفيئا . وهذا أحسن . ابن سحنون
وفي مثل هذا جاء أم هانئ - رضي الله عنها - أمنت بعد الفتح ؛ فلم يكن أمانها أمانا [ ص: 1441 ] إلا بإجازة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" . ولو كان إجارتها لازمة لم يقل : أجرنا . ولكان الجوار منها وحدها دون غيرها . أن
قال ابن الماجشون : إنما تم أمانها بإجازة النبي - صلى الله عليه وسلم - . وسحنون
قال : وإن أمضاه كان فيئا . سحنون
وأرى أن مضمون الأمان في النفس ألا يقتل ، ولو كان أمانا لمن حصن لكان ألا يباح بقتل ولا بغيره ، إلا أن يبين أن ذلك في النفس دون المال أو غير ذلك .
وإن بعث أمير الجيش سرية إلى موضع وجعل لهم أن يعقدوا ما رأوه صوابا من هدنة أو غيرها جاز ، وإن جعل لهم القتال والسبي إن لم يسلموا لم يكن لهم أن يعقدوا ذلك ، فإن فعلوا كان النظر لأمير الجيش : فإن رأى إمضاء ذلك ، وإلا أعلمهم أنه لا عقد لهم ، ويستأنف الأمر معهم .
وإن جعل لهم أن يعقدوا ما رأوه من هدنة أو مال أو سبي ففعلوا ، ثم جاءت سرية أخرى : فإن كانت من الجيش الذي كانت منه السرية الأولى لم [ ص: 1442 ] يكن لهم نقض شيء مما عقدته الأولى ، وكذلك إن لم يكونوا من ذلك الجيش ، ولكنهم من ذلك البلد الذي خرجت منه الأولى ، وإن كانت من بلد آخر وأمير آخر ، ولا يرجعان إلى أمير واحد فوقهما كان لهم أن يقاتلوهم ، وعلى أصل : ليس ذلك لهم . سحنون
وإن كانت السرية من أرض الإسلام وبأمر أمير البلد الذي خرجت منه الأولى كان حكمها بمنزلة ما لو خرجت من الجيش . وإن خرجت بغير إذن الإمام لم يلزمه ما عقدت . [ ص: 1443 ]