الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في قسم الفيء والخمس والغنائم وفيمن تصرف

                                                                                                                                                                                        [ ص: 1403 ] ومن المدونة قال مالك : الفيء والخمس سواء ، يجعلان في بيت المال ، ويعطي الإمام منه أقارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا علم لي بجزية الأرض ، إلا أن عمر - رضي الله عنه - قد أقرها ، ولم يقسمها بين الذين افتتحوها ، ويسأل أهل العلم كيف كان الأمر فيها ، فإن وجد عالما يفتيه ، وإلا اجتهد في ذلك .

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم : وأما الجماجم في خراجهم ؛ فلم يبلغني عن مالك فيهم شيء . وأرى أن يكونوا تبعا للأرض ، وإن كانوا عنوة أو صلحا .

                                                                                                                                                                                        فأجاز مالك أن يعطى من الخمس والفيء لأقرباء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه حلال للأغنياء ، ويوقف منه في بيت المال بخلاف الزكاة .

                                                                                                                                                                                        وتكلم في الأرض على ما فتحه عمر - رضي الله عنه - من أرض العراق وغيرها ، ولم [ ص: 1404 ] يشك أنها لم تقسم ، وإنما جهل ما جعل عليها ، فيكشف عنه ، فإن لم يجد عالما ؛ استأنف النظر فيما يجعل عليها .

                                                                                                                                                                                        وإلى هذا ذهب ابن القاسم في جزية الجماجم ، يكشف عنها هل الذي جعل على الأرض والجماجم شيء واحد ، أو على كل شيء بانفراده ، فإن لم يعلم ما جعل عليها ؛ كانوا تبعا للأرض .

                                                                                                                                                                                        يريد : تبعا في الاجتهاد ، هل يجعل ذلك جملة أم لا ؟

                                                                                                                                                                                        والأموال التي تؤخذ من أهل الكفر على ثمانية أوجه :

                                                                                                                                                                                        صلح ، وعنوة ، وما انجلى عنه أهله ولم يوجف عليه ، وجزية الجماجم ، وخراج الأرض ، وعشور أهل الذمة إذا تجروا إلى غير بلادهم ، وما أخذ من الحربيين إذا نزلوا بأمان ، والركاز .

                                                                                                                                                                                        وجميع هذه الأموال ، يجوز أن تصرف فيما تصرف فيه الزكاة . ويجوز أن تصرف فيمن لا تحل له الزكاة ، فيعطى منها الأغنياء وأقرباء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن أخذهم ليس على وجه الصدقة ، ويوقف منها في بيت المال إذا رأى الإمام ذلك .

                                                                                                                                                                                        وهي في ترتيب صرفها على وجوه : فيصرف كل مال في البلدة التي جبي منها إذا كان فيها ما يوجب صرفه فيه ، أو من يستحق منه شيئا ، ولا ينقل إلى غيره ، أن يكون لذلك وجه . [ ص: 1405 ]

                                                                                                                                                                                        فأما جزية جماجم أهل الذمة الذين بين أظهرنا ، وما أخذ من عشور أهل الذمة ، وأهل الحرب القادمين علينا ؛ فيبتدأ منه بسد مخاوف أهل ذلك البلد الذي جبي منه ، وإصلاح حصون سواحله ، ويشتري منه السلاح والكراع إذا كانت بهم حاجة إلى ذلك ، ويعطي غزاة ذلك البلد وعماله وفقهاءه وقضاته ، فإن فضل شيء أعطى الفقراء منه .

                                                                                                                                                                                        إنما يبدأ بمن تقدم على من يستحق الزكاة ؛ لأن أولئك لا تحل لهم الزكاة ، فكانوا أحق بالارتفاق بما لهم الأخذ منه ، وينتفع الآخرون بما جعل لهم مما لا يجوز لأولئك ، فإن فضل شيء أعطي الفقراء ، فإن فضل عنهم شيء وقف عدة لما ينوب المسلمين .

                                                                                                                                                                                        وإن كان في بيت المال اتساع ؛ فلا بأس أن يعطى للأغنياء ، وإن كان ذلك المال من أرض صلح ؛ لم يصرف في إصلاح ذلك البلد ؛ لأنه ملك لأهل الكفر .

                                                                                                                                                                                        وإن كان بين أظهرهم مسلمون فقراء ؛ أعطوا منه ، ثم ينقل إلى البلد الذي كان عنده الخوف حتى وقع الصلح . وكذلك ما جلا أهله عنه يبتدأ بالبلد [ ص: 1406 ] الذي كان الخوف عنه ؛ حتى جلوا .

                                                                                                                                                                                        وما جبي عن بلاد العنوة يبتدأ فيه بإصلاح البلد الذي جبي منه ، وسد مخاوفه ؛ لأنه للمسلمين .

                                                                                                                                                                                        فإن فضل شيء نقل إلى البلد الذي خرج منه الجيش الذي افتتحه .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية