فصل [في حد الغنى الذي يمنع أخذ الزكاة]
واختلف في معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " [ ص: 969 ] على ثلاثة أقوال : فقيل : هو من كانت له كفاية وإن كانت دون نصاب للحديث : "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة . وقيل : هو من له نصاب ، وأن الغني الذي حرمت عليه ، هو كالغني الذي تجب عليه . ومن كان له دون نصاب ، حلت له للحديث : "من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا" "أمرت أن آخذها من أغنيائهم ، فأردها في فقرائهم" . وقيل : المراد الكفاية ، فمن كان له أكثر من نصاب ولا كفاية فيه ؛ حلت له . وهذا ضعيف ؛ لأنه غني تجب عليه الزكاة ، فلم يدخل في اسم الفقراء ، ولأنه لا يدري هل يعيش إلى أن ينفق ما في يديه ، ولا خلاف بين الأمة فيمن كان له نصاب ، وهو ذو عيال ولا يكفيهم ما في يديه ، أن الزكاة واجبة عليه ، وهو في عداد الأغنياء ، وإذا كان ذلك فلم يحل أن يعطى .
وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : محمله على من سأل من غير الزكاة فلا تجب مواساته ، ألا ترى أنه لا تجب مواساة من له دار وخادم لا فضل في ثمنهما ، ويجوز له أن يأخذ من [ ص: 970 ] الزكاة ، وفي الحديث : "من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا" . والدار والخادم أكثر من عدل الأوقية ، ولم يكن ذلك مما يمنع من أن يعطى الزكاة . "أو عدلها"
واختلف ، وأرى أن ينظر إلى زكوات الناس بذلك البلد ، فإن كان يخرج به زكاة واحدة في العام ، وسع له في العطاء على قدر ما يرى أنه يغنيه إلى مثل ذلك الوقت إذا كان في الزكاة متسع لذلك ، وإن كان يخرج به زكاتان : العين والزرع ، أعطي من الأولى ما يبلغه الثانية إذا كان فيها محمل لذلك . وإن كان يخرج به زكاة العين ، والحرث والماشية ، أعطي من كل واحدة ما يبلغه الأخرى . والغنى المراعى : العين ، وعروض التجارة ، وفضلة بينة على القنية . فإن كانت له دار أو خادم لا فضلة فيهما ، أو كانت فيهما فضلة يسيرة ؛ أعطي من الزكاة . وإن كانت فضلة بينة ؛ لم يعط . هل يعطى الفقير نصابا