الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في من ركب دابة فعطبت بها عين إنسان أو سن أو ما أشبه ذلك

                                                                                                                                                                                        وإذا ركب دابة ضمن ما وطئت بيدها أو رجلها، وإن وطئت على حصاة فطارت، فأصابت رجلا ففقأت عينه، أو كسرت سنه- لم يضمن، وإن لاقى حافرها حصاة فدفعها فأصابت رجلا- ضمن، قاله محمد . وفيه نظر.

                                                                                                                                                                                        وإن أصابت بفيها، فإن رآها ولم يصرفها، أو كان ذلك شأنها ولم يحفظ فمها بما يمنعها، أو كان هو السبب فيه بفعل فعله بها - ضمن. وإن لم [ ص: 6507 ] يرها حين أصابت بفيها، ولا كان ذلك شأنها، ولا فعل بها ما أوجب ذلك- لم يضمن شيئا . وإن لم يعلم هل كان هناك ما يوجب ضمانه، كان القول قوله، ومحمل الأمر على أن ذلك جناية عنها لا سبب له فيها حتى يعلم غيره، وإن أصابت بيدها لم يضمن، إلا أن يعلم أنه السبب لذلك.

                                                                                                                                                                                        وإن رمحت برجلها لم يضمن، إلا أن يعلم أن له سببا في ذلك ، وإن جمحت به ضمن; لأن ذلك من سبب تحريكه إياها، إلا أن يعلم أنه من غيره ، فيكون ذلك على من فعل ذلك بها ، أو يكون نفرت من شيء- فلا يكون على الراكب، إذا لم يستطع إمساكها.

                                                                                                                                                                                        وإن ركب دابة رجلان، كان ما أصابت، يكون تارة على المقدم، وتارة على المؤخر، وتارة عليهما، فإن كان تسييرها بيد المقدم ولا يشركه المؤخر بيد ولا برجل ولا بغير ذلك، فوطئت شيئا فأفسدته- كان غرمه على المقدم خاصة، وإن شاركه المؤخر في تسييرها برجل، أو بقضيب- كانا شريكين فيما وطئته، وإن كان تسييرها بيد المؤخر واللجام بيد المقدم- كانا شريكين أيضا.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في المدونة: إذا كان الصبي المقدم والرجل خلفه فوطئت الدابة أحدا أنه على الصبي إذا كان قد ضبط الركوب إلا أن يكون [ ص: 6508 ] الرديف قد صنع بالدابة شيئا مما وصفته لك فيكون عليهما ; لأن اللجام بيد المقدم.

                                                                                                                                                                                        ولو كان المقدم لا يضبط الركوب أو كان نائما أو مريضا لكان على المؤخر ذلك ولو كانت ضربتها من فعل الرديف فأصابت إنسانا فلا شيء على المقدم; لأن المقدم لا يضمن البعجة للرجل إلا أن يكون ذلك من فعله، ولو صنع الرديف بها شيئا فوثب من غير أن يعلم المقدم فوطئت إنسانا كان الضمان على الرديف، إذا لم يستطع المقدم حبسها قال: وإن كان قائد وراكب وسائق فوطئت على شيء كان على القائد والسائق دون الراكب .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد: بل ذلك على ثلاثتهما أثلاثا ، يريد: إذا كان الراكب يسيرها معهم فإن لم يكن يحركها بيد ولا رجل لم يكن عليه شيء إلا أن يكون فعلها ذلك من سبب الراكب وحده فيكون ضامنا فجعل القائد والسائق شريكين فيما وطئت عليه.

                                                                                                                                                                                        وأرى ذلك على القائد وحده; لأن الشأن في السائق أنه إنما يسوقها [ ص: 6509 ] بالضرب الساعة بعد الساعة عندما تنفر ، وينفرد الأمر إلى القائد إلا أن يكون ما وطئت عند مساقها أو تكون الدابة بطيئة لا تمشي إلا بالسوق فيكون عليهما إذا أسرعت عند ذلك فوطئت على شيء.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب محمد: إن كدمت أو رمحت فأحراهم بالضمان السائق إذا كان سوقه يذعزها; لأنه خلفها تخافه ساعة يخوفها، فهي تداري ذلك وتخافه فما أصابت في حين سوقها فهو ضامن، إن ساقها بزجر أو ضرب أو نخص ، وهذا أصوب إذا بعجت أو كدمت كما قال حينئذ وليس كذلك إذا وطئت شيئا ولو كان رجل يسوق قطارا فوطئ بعير من أول القطار أو وسطه أو آخره على شيء كان على القائد، وإن كان قائدا أو سائقا كانا شريكين فيما وطئ الآخر وحده، ولا يضمن السائق ما أصاب الذي يلي الآخر; لأن السوق ينفع في الآخر وما قبله فإنما يسير بسير الأول قال: ولو أوقف دابة في طريق المسلمين حيث لا يجوز له ضمن ما أصابت . [ ص: 6510 ]

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب محمد فيمن نزل عن دابته فوقفت في الطريق فلا يضمن ما أصابت بوطء إلا أن يجعل ذلك لها مربطا في الطريق فيضمن بوطء ما أصابت برجل أو بعج أو كدم أو ذنب .

                                                                                                                                                                                        تم كتاب التبصرة لأبي الحسن اللخمي بحمد الله وحسن عونه وهو آخر الديوان وكان الفراغ منه يوم الأحد الثالث والعشرين من محرم فاتح شهور سنة 1242 اثنين وأربعين ومائتين وألف على يد أفقر الورى، وأحوجهم إلى الملك المنان علي بن الحاج بلقاسم بن محنان عفا الله عنه.

                                                                                                                                                                                        كتبه للعالم الفاضل العامل الكامل قاضي القضاة، ومعدن الصلاح والبركات أبي العباس السيد أحمد بن سعيد العباسي نفع الله به ومتعه بهذا الديوان بمنه وكرمه آمين آمين آمين.

                                                                                                                                                                                        وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية