فصل [في الحكم بشهادة البينة على شهادة غيرها]
واختلف إذا حكم القاضي بشهادة بينة، شهدت على شهادة غيرها، ثم أتى المنقول عنهم ذلك فأنكروا وقالوا: ما أشهدناهم بشيء. هل يكون ذلك رجوعا منهم وينقض الحكم، ويكونون أحق بشهادتهم أو لا يكونون ولا يعد رجوعا، ولا ينقض الحكم؟
قال محمد -في رجلين نقلا عن أربعة أنهم أشهدوهم على فلان بالزنا فلم يحد الناقلان، حتى قدم الأربعة فأنكروا أن يكونوا أشهدوهم- قال: يحد الأربعة القادمون حد القذف، ويسلم الاثنان; لأنهما صارا شاهدين على الأربعة بالقذف. فأثبت النقل وجعل إنكار الأربعة رجوعا.
وقال -في كتاب ابن حبيب، في رجلين نقلا عن غائب، فحكم بشهادتهما مع يمين صاحب الحق، ثم قدم الغائب فأنكر الشهادة-: فإن الحكم ينقض ويرد، ورآه أحق بشهادته من اللذين نقلا عنه ونقض الحكم، وقال مالك مطرف الحكم ماض ولا غرم عليه ولا على الناقلين، قال: ولو قدم قبل الحكم بها كان أحق بشهادته. فرأيا أن الأمر فيه بعد الحكم [ ص: 5361 ] مشكل، هل يرجعا أو كان الوهم من قبل الناقلين فلم ينقض الحكم، ولا أغرم الناقلين، فعلى قولهما وقول وابن القاسم: لا يحد الأربعة، ولا يعد قولهما الآن رجوعا، وعلى قول مالك محمد يغرم المنقول عنه الشهادة المال.
وأرى أن يرد الحكم; لأنه أولى بشهادته، ولا يغرم الناقلان; لأن الأمر مشكل، هل صدق أو كذب؟ فلا يغرمان بالشك، والأمر في المنقول عنهم في الزنا أبين أن لا حد عليهم; لأن قولهم وقول الناقلين في معنى التكاذب، فقول الأربعة أقوى من قول الاثنين. [ ص: 5362 ]